الإشكالية المرفوضة: أن نبقى أو نهاجر

 

بعد خمس عشرة سنة على انعقاد السينودس من أجل لبنان بدعوة من البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، ينعقد في الخريف المقبل سينودس جديد للكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط تحت تسمية "سينودس الأساقفة الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط - شركة وشهادة" بناءً على دعوة وجّهها البابا الحالي بنديكتوس السادس عشر. وكما أن ظروف لبنان غداة الحرب الأهلية التي انتهت بضعف الطرف المسيحي والماروني تحديداً حتّمت على البابا دعوة الأساقفة الكاثوليك إلى عملية مراجعة ونقد ذاتي ورجاء للمستقبل ولم تقتصر دعوته فقط على الأساقفة الكاثوليك بل توسّعت بحيث شملت سائر الكنائس المسيحية وكذلك الطوائف الإسلامية مما أتاح لي ولسواي خوض هذه التجربة التي أقرّ وأعترف أنها إحدى أهم محطّات عملي الحواري. كذلك يحتم الوضع المسيحي اليوم والسعي للتوصل إلى حلول تحدّ من النـزف الحاد لهذا الوجود وللتهديد اليومي للوجود المسيحي بما يقوّض هذا الوجود لا سمح الله وينـزع عن الشرق الأوسط وخاصة عن عالمنا العربي ميزته وعلامته الفارقتين.

 

لقد وزعت اللجنة الأسقفية للحوار الإسلامي – المسيحي "ورقة الخطوط العريضة" التي أُعِدّت تحضيراً لهذا السينودس على عدد من المهتمين، مسيحيين وغير مسيحيين، وهذا يشكل بذاته أمراً مهماً وحيوياً أن يشارك غير المسيحيين بالإعداد لهذا السينودس. والورقة كما وزعت لا تزال في حالتها البدائية أي كما وضعها واضعوها دون العمل على تحسينها بمعنى أنها لا تزال خاماً كما يقال. ولقد أتيحت لي فرصة استلام هذه الورقة لقراءتها ومناقشتها مع بعض أعضاء اللجنة الأسقفية التي تهتم بهذا الشأن في اجتماع خاص عقدته مجموعتنا العاملة باسم الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي والمؤلفة من السادة محمد السماك والقس د. رياض جرجور وحارث شهاب وكميل منسى والسيد هاني فحص ود. سعود المولى والأب د. جورج مسوح وعباس الحلبي مع ممثلين عن اللجنة يتقدمها المطران سليم غزال.

 

تفحصت هذه الورقة باهتمام وأثارت لديّ جملة ملاحظات في الشكل والمضمون نقلتها شفاهة إلا أنني رأيت، ولمزيد من الدقة والمساهمة في نقاش هذه الورقة بغية استكمالها وتحسينها، أن أضع هذه الملاحظات خطياً.

 

لا بد لي بادئ ذي بدء من أن أنوّه بالروح الإنجيلية الطيبة التي طغت على صوغ التوطئة        تحت شعار "وكان جماعة الذين آمنوا قلباً واحداً ونفساً واحدة". كما تجلّت هذه الروح المحبّة المتسامحة في عرض الأسباب الموجبة التي حتّمت على البابا هذه الدعوة. وسيرد في سياق العرض النقاط التي رأيتها قوية في التعبير عن الحاجة إلى عقد مثل هذا السينودس.

 

أما النقاط التي أثارت لدي العديد من التساؤلات والتي أرغب في إلقاء الضوء عليها فهي التالية:

1-             تحدّثت الورقة عن اليهود والمسيحيين والمسلمين الذين يتشاركون العيش معاً في الشرق الأوسط واستذكرت السينودس من أجل لبنان ورغبة الحبر الأعظم الراحل في عدم قصر تسمية الجماعات بالإسم الأشمل الذي يتضمّنها وركز في العديد من الخطابات والمداخلات التي ألقاها خلال انعقاد السينودس حتى كرسها في الإرشاد الرسولي، على تسمية الدروز الذين ميّزهم عن المسلمين بالتسمية بالنظر لخصوصية هذه الجماعة داخل الفضاء الإسلامي وبالنظر خصوصاً إلى حالة العيش المشترك التي تجمع المسيحيين بهم في مناطق الجبل اللبناني. فمن البديهي أن يلفت نظري خلو الورقة من هذا التميّز الذي سبق للفاتيكان وخصّ به بني معروف مما يجعلني أتساءل من موقعي الدرزي عن الأخذ بهذه الملاحظة بعين الاعتبار لأن مركز الثقل المسيحي السياسي في الشرق الأوسط هو في لبنان وفي جبل لبنان تحديداً وإن فاقت أعداد المسيحيين في خارجها أعداد مسيحيي لبنان.

 

2-             ما أثار فيّ الغرابة والاستهجان الإشكالية الخطيرة والمذهلة التي طرحتها الورقة في تحديد إطار السينودس ولكن عبر ذلك تحديد إطار عيش المسيحيين ووجودهم في هذه المنطقة: هل نبقى أم نهاجر؟

 

إنني أرفض في المبدأ طرح هذه الإشكالية على هذا النحو لأن المطلوب أن نبقى مهما كانت الصعاب والتضحيات وأن لا نهاجر وعندها يصبح موضوع السينودس وإشكالياته هو كيف نبقى وما هي الوسائل التي يجب الاستعانة بها لكي نبقى ونتجذّر وما هي مسؤولية وما هو دور الشريك المسلم في حفظ بقاء المسيحيين واستمرارهم.

 

3-             لن أدخل في الأسباب التي خاضت بها هذه الورقة في عرض الفروقات الإيمانية السائدة بين الفرق المسيحية المختلفة ولا حول القضايا اللاهوتية التي خاضت بها.

 

4-             لذلك أبقى في إطار أية ملاحظات على الفقرات كما ورد ترقيمها:

في البند 15 تبين أن السينودس يعني بالوجود المسيحي العربي وكذلك التركي والإيراني.

في البند 16 تتطرّق الورقة إلى موضوع بالغ الأهمية يتّصل بالحداثة وتمنّيت لو أسهب الواضعون في الحديث عنها وعن جدلية الحركة بينها وبين الجماعات الإسلامية الأصولية وكنت أفضل استعمال كلمة "المتطرّفة" على اعتبار أن الأصولية أمر محمود والأمر غير المحمود هو التطرّف والغلو سمة بعض الجماعات الإسلامية التي تتوسّل العنف سبيلاً لتحقيق أغراضها.

 

في البند 18 إن اقتصار أثر الصراعات السياسية الحالية على المسيحيين أمر غير واقعي لأن تأثير ذلك ينسحب على الجميع بمن فيهم المسيحيون وليس عليهم فقط.

 

5-             وكنت أتمنى وفي سياق العرض عن التيارات اللاهوتية المسيحية التي تبرر من الكتاب المقدس احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية الاستعانة بالعرض الواضح الذي ساقته وثيقة "وقفة حق" التي أصدرها عدد من مسيحيي القدس وفلسطين واستعادة التحليل الوارد في هذه الوثيقة والاستعانة به لعرض إشكاليات الوضع الفلسطيني واستغلال المجموعات المسيحية المتصهينة للكتاب المقدس في تبرير استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل السبب الأساسي لحال عدم استقرار هذه المنطقة وعدم شعور المسيحيين بالأمل في الاستمرار وتوصيف هذا الاحتلال بالخطيئة والإثم بحق الشعب الفلسطيني والعربي مسلمين ومسيحيين.

6-             في البنود 24 وما يليها التي تتضمّنه تحليلاً لأسباب هجرة المسيحيين انطلاقاً من تطرّف بعض الجماعات الإسلامية التي ترفع شعار الإسلام هو الحل للأسباب الاقتصادية والسياسية وكذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لاحظت غياباً كلياً لأحد أهم المشكلات التي يواجهها المواطن في هذه المنطقة والتي جرى تغييبها من هذه الأسباب علماً أنها تشكّل برأيي إحدى أهمها ألا وهي غياب الحرية والديمقراطية في عالمنا العربي وقيام أنظمة التسلّط والقمع وانتشار الفساد وكلها أمور تؤثر سلباً على التنمية الكفيلة وحدها ببقاء ليس المسيحيين فحسب ولكن أيضاً عموم المسلمين في بلدانهم.

 

7-             توقفت ملياً عند تسمية "إخوتنا المسلمين واليهود" وقد ورد ذلك في غير مكان وتساءلت أي مستشرق وضع هذه الورقة خاصة وأنه ساوى بين المسلمين واليهود في العلاقة التشاركية القائمة. وهذا أمر يدعو أيضاً للاستغراب خاصة وإنني لست متأكداً من ردة فعل المسلمين حيال ذلك وهم يشكلون الضحية مع المسيحيين في عسف الإسرائيلي وتعنته وتجبره وارتكابه الجرائم. من الطبيعي أن يُصار إلى التفريق بين الإسرائيلي واليهودي وهناك يهود يستنكرون ما تقوم به إسرائيل، إلا أن الخشية هي في كيفية تلقّي المسلمين هذا الأمر مما يقتضي صوغ هذه الأمور بدقة أكبر تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. كما لفتني ورود كلمة "اختطاف" للتعبير عن بعض ممارسات بعض الفرق الإنجيلية التبشيرية مما يزيد في انقسام المسيحيين مما يقتضي التدقيق في هذه التعابير حتى لا يستهجن الإنجيليون الوطنيون من استعمال مثل هذه التعابير بحقهم أو توصيف أفعالهم.

 

8-             وفي معرض البحث عن الأطر التنظيمية التي تقوي الوجود المسيحي ورد اسم مجلس كنائس الشرق الأوسط كإحدى هذه الأطر إن لم يكن أبرزها. ونحن من الذين تعاملوا سابقاً وتشاركوا مع هذا المجلس الذي لعب دوراً بارزاً في عملية الاستقطاب المسيحي وتنظيمه وتفعيله سابقاً وهو الآن مشلول وابتعد عنه الجميع بمن فيهم أعضاؤه ومناصروه وأصدقاؤه ويحتاج هذا المجلس وضمن سياق الوعي المتجدد لأهمية الوجود المسيحي في الشرق إلى إعادة الاعتبار  إليه وتفعيل حضوره ونشاطه وميزانياته وإبعاد كل العناصر التي أدّت به إلى حال الشلل والضعف هذه وإقصاء المسؤولين الذين حصروا إرثه، هذا الإرث الذي خلقه كبار عملوا على دعم نشاط هذا المجلس خاصةً وأننا بأمسّ الحاجة إلى عودة النشاط لا بل إعادة الوجود لهذا المجلس في الحالة المسيحية القائمة وهذا أمر يطلبه المسلمون قبل المسيحيين نظراً لأهمية مجلس كنائس الشرق الأوسط والتاريخ الحافل الذي سطّره القائمون عليه سابقاً وإنجازاته الرائعة على مدى سنين طويلة ضحى وقام بها رهط من أهل الإيمان والعمل والفضل.

 

9-             وبالعودة إلى موضوع العلاقة مع اليهود من جهة والمسلمين من جهة ثانية فإن مطالبة الورقة بهدم حائط الخوف وعدم الثقة والكراهية أمر مفهوم مع المسلمين الذين يبادلونهم بالمثل. أما في ما خص اليهود الذين ينحصر المشكل معهم بالمشكل السياسي؛ هل يبادل اليهود المسيحيين بنفس المشاعر أم هم مسؤولون عن حال عدم الاستقرار الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي اللبنانية والسورية. وكنت أرغب في أن أجد تنديداً قوياً لممارسات الجماعات اليهودية التي تستخدم الكتاب المقدس لأغراض سياسية وكذلك السياسة لأغراض لاهوتية وهو الأمر الذي أشارت إليه بوضوح وثيقة "وقفة حق".

 

10-        أما العلاقة مع المسلمين فقد لاحظت آسفاً أن الأسلوب والصياغة والمضمون هو دون السقف الذي سبق وان وضعه الإرشاد الرسولي الذي صدر عن البابا وسلّمه أبان زيارته التاريخية إلى لبنان. ومن المفيد والحيوي للمسيحيين كما للمسلمين الاستعانة مجدداً بصياغات الإرشاد الرسولي الذي يشكل بحق مثالاً للأدبيات السياسية رفيعة المستوى وأفترض أن المطلوب ربما الارتفاع بهذه العلاقات بما يفوق ويتجاوز الإرشاد الرسولي لا النزول تحت سقفه. وهكذا يتم التراكم في الوثائق وفي هذا السياق أتساءل عن المسؤولية التي عطّلت وحالت دون تطبيق جميع مناحي هذا الإرشاد الرسولي على المسيحيين خاصة ولكن على لبنان بصورة عامة، مما فوت فرصة قد لا تعوض.

 

وبقدر ما أدعو إلى تعزيز الصياغات ليس استرضاءً للمسلمين بل لأن الشراكة الوطنية القائمة بين المسلمين والمسيحيين تفترض ذلك وبنفس الصراحة والوضوح. ولمَ الخفر والحياء بعدم المطالبة بأن تقوم هذه الشراكة على أساس المواطنة، لا على أساس الانتماء الطائفي. وقد خلت هذه الورقة من هذه المطالبة التي لا أرى سبيلاً للخروج من حال معاناة المسيحيين وأيضاً سائر الأقليات وحتى الأكثريات الإسلامية إلا بتكريس مفهوم المواطنة. لا تتحدّث الورقة عنها وربما بسبب الخجل والممالأة وعدم إزعاج أحد. يقيني حان الوقت لإعلاء الصوت للمطالبة بالمواطنية التي تحفظ الحقوق وتحدد الواجبات وتحقق المساواة وتضمن قيام وبقاء واستمرار الشراكة الوطنية وتقيم دولة تكون ضامنة وحافظة لجميع مكوناتها الوطنية.

 

11-        يجب على المسيحيين التقاط الفرصة لإعلاء الصوت مجدداً لقيام هذه العلاقة بينهم وبين المسلمين على أساس المواطنة فلا تفرقة ولا تمييز ولا تطبيق للقانون الديني على أي من الفئات بل قيام دولة مدنية تحفظ للدين مركزه ولا تجعله شاملاً لكامل الحيز العام بل مواطنة جامعة تتجاوز الانتماء الطائفي لتصنع مواطناً له وعليه نفس الحقوق والواجبات.

 

12-        في الفقرة 76 يقتضي توضيح معنى الغرب والمسيحية لأن الالتباس قائم في ذهن خاصة المسلمين مما ينعكس سلباً على العلاقة مع الشريك الوطني المسيحي. فلا الغرب مسيحي ولا المسيحية تمثل الغرب وآن أوان توضيح هذا الأمر.  

13-        وقد استرعى انتباهي في الخاتمة العرض الذي جرى والخلاصات التي توصل إليها التحليل الوارد في الورقة وأوحى لي أن المسيحيين عندما يتحدثون في هذه الورقة عن مصيرهم ووجودهم عليه يبدون كمراقبين أكثر منهم فئة مستهدفة ينعقد من أجلها السينودس. بمعنى آخر يتحدثون عن أنفسهم ليس بصفة الأنا والنحن بل بصفة الـ "هم". وهذا أمر مستغرب يمكن فهمه بأن من وضع هذه الورقة دوائر معيّنة في الفاتيكان لا تحس بإحساس أهل الأرض الأصليين أصحاب المعاناة الحقيقية. وهذا يدعو إلى استعادة هذه الورقة من قبل أصحاب القضية أنفسهم لتضمينها أفكارهم وتشخيصهم للواقع والمخاطر وتحديد آفاق المستقبل على أساس الشراكة الإسلامية المسيحية ولكن خصوصاً على أساس الدور المناط بالمسلمين أنفسهم أصحاب المسؤولية الأولى في حفظ الوجود المسيحي ودورهم ومستقبلهم في هذه المنطقة.

        وفي هذا السياق تقوم مجموعتنا في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي وبالتنسيق مع مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة بالإعداد لعقد مؤتمر في شهر أيلول سبتمبر المقبل أي قبل انعقاد السينودس تحت عنوان " مسيحيو الوطن العربي: التاريخ، الدور، المستقبل". ذلك أننا لاحظنا ضرورة صدور نداء أو إصدار وثيقة تعالج هذه المحاور.

 

وتكمن أهمية المؤتمر من كونه الأول من نوعه الذي ينعقد في القاهرة وبمبادرة من طرف عربي مسلم.

 

وقد انطلقت فكرة المؤتمر من إشكاليتين أساسيتين؛ الإشكالية الأولى هي عملية تفريغ الوطن العربي من مسيحييه بحيث أضحت قضية مسيحيي الشرق فارضة نفسها في العالم. والإشكالية الثانية تتعلق بالاهتمام المتزايد من خارج الوطن العربي بمشاكل مسيحييه وعلى نحو يتم توظيفه لتدخلات خارجية وحتى وإن كانت تبدو أنها استجابة لاستدعاءات من الداخل باسم حقوق الإنسان، إلا أنها تحقق أهداف ومصالح وتنطلق من دوافع خاصة بالأطراف المتدخلة.

 

أما غاية هذا المؤتمر فهي طرح المواقف الداعية لدعم الحضور المسيحي في المنطقة من خلال طرح الدوافع والمبررات والسبل والمآلات الناتجة عن عدم استمرار هذا الحضور ومخاطر التفريغ. وضمن هذا الإطار يقتضي موضعة مشاكل الحضور المسيحي في الوطن العربي ضمن مشاكل الأطر الوطنية والإقليمية والعالمية المحيطة بها، والتي لا تنفصل عن مشاكل بقية أهل الأوطان المسلمين. وهذا يشكل مدخلاً تكاملياً واستمرارًا لخبرات الحوار الإسلامي المسيحي في إطار بناء الجماعات الوطنية ودعمها والحفاظ عليها في دول المنطقة العربية التي تواجه نفس التحدي.

 

        وعلينا في هذا الإطار أن نبرز أن وضع المسيحيين يمثل دائمًا همًّا إسلاميًّا تتشارك فيه شعوب المنطقة ومؤسساتها البحثية والفكرية والمدنية والسياسية.

 

        وهذا يتلاقى مع الأولوية التي تعطيها مؤسسات دولية أخرى لهذا الهمّ كمثل مجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس الأميركي والفاتيكان وجمعية سانت إيجيديو وسواها.

 

***

 

يقيني أن من يعنيهم الأمر في لبنان لن يتركوا هذه الفرصة دون استرداد هذه الورقة وإعادة صياغتها بالأسلوب القوي الواضح الذي يؤكد تمسك المسيحيين بأرضهم أرض شهادة المسيح التي قدّسها بحضوره فيها واستمرارهم في العيش معاً مع سائر الفئات التي يتشكل منها هذا الشرق وحفظ دورهم الحضاري في إكساب هذه المنطقة ميزتها وخصوصيتها؛ فأي معنى للبنان بدونـهم وأي دور لهذه المنطقة في غيابهم.

 

آمل أن يوفق المنظمون والمشتركون في إطلاق رسالة قوية عن المسيحيين في هذا الشرق، ومسؤولية المسلمين تكمن في حفظه واستمراره بالفعل وليس بعدمه وأن تدعو المسلمين إلى تحديد الأطر التي تمكنهم من المساعدة فيها وألا يُهمل هذا السينودس ووثائقه كما أهملت وثائق كبيرة أخرى قبل ذلك وأضاعت فرصاً كثيرة. 

 

كلمة القاضي عباس الحلبي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

في افتتاح وإدارة

ندوة حول

"وقفة حق"

وثيقة فلسطينية مسيحية حول الاحتلال الإسرائيلي

منتدى الطائف – بيروت 18/02/2010

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

        أيها الإخوة والأخوات،

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

          باسم الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي واللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار وباسم "أديان" يسرني أن أرحب بكم في هذه الندوة حول وثيقة وقفة حق الفلسطينية المسيحية. وأشكر "منتدى الطائف" على استضافتنا ومشاركتنا هذه الدعوة وأخص بالشكر رئيسة المنتدى معالي السيدة بهية الحريري.   

 

          لقد صدرت وثيقة "وقفة حق" منذ أسابيع عدة لتعيد التذكير بأن معاناة الفلسطينيين جراء الاحتلال الإسرائيلي ليست وقفاً على المسلمين منهم بل وأيضاً على إخوانهم المسيحيين الذين شاؤوا من خلال الوثيقة أن ينطقوا بكلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية.

 

          لقد مضى على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ما يزيد عن العقود الستة ولا تزال هذه الأزمة المزمنة بدون حل بالرغم من صدور العشرات من قرارات الأمم المتحدة التي تقضي بضرورة الانسحاب الإسرائيلي وضمان حقوق الشعب الفلسطيني وعدم اعتراف العالم بالقدس عاصمة له وبالرغم من كل الجهود والبعثات التي جاءت هذه المنطقة ولم توفق في الوصول إلى تسوية منصفة تعيد للفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة وحقهم في إقامة دولتهم على أرضهم وعاصمتها القدس.

 

          لقد نحا الصراع العربي الإسرائيلي الذي هو بالأساس صراع سياسي قام به مستعمر محتل طارداً شعباً بكامله من أرضه لاستقدام مستوطنين من أصقاع الأرض بغية إحلالهم مكان السكان الأصليين، لقد نحا هذا الصراع وأخذ بعداً دينياً كما ظهر منذ سنوات عديدة مستدرجاً الأصوليات بعضها تلو بعض وحتى صوّر الصراع كأنه بين اليهود والمسلمين. إن هذا المنحى الخطير الذي لا يمثل حقيقة الصراع في هذه المنطقة من جهة قد أهمل في حمأته المسيحيين الذين يشكلون مع إخوانهم الفلسطينيين المسلمين شعب فلسطين المحتل والمقهور فجاءت هذه الوثيقة لتعيد تصويب مسار الصراع إلى حيث يجب على أنه صراع فلسطيني عربي إسلامي مسيحي بوجه مستعمرين مستقدمين أغراب عن هذه المنطقة تجمعهم أطروحات دينية غريبة في تفسيراتها التلمودية.

 

          إن "وقفة حق" أيها الإخوة والأخوات، تذكر العالم بوجود المسيحيين في فلسطين وتذكره بوجود المقدسات المسيحية في فلسطين والقدس وتحث المسيحية الغربية على استذكار هذه الوقائع للحد من معاناة الشعب الفلسطيني الواحد بفئاته كافة. وتكتسب هذه الدعوة أهمية زائدة على ضوء اكتشاف الصهاينة أنفسهم بالرغم من كل مسعاهم والوسائل التي وفروها فلم يكتشفوا ولم يجدوا أي أثر يهودي في المدينة المقدسة بحسب قولهم هم.   

 

          إننا في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي معنيون بمسألة القدس وقد كنا نظمنا سنة 1996 مؤتمر "مسلمون ومسيحيون معاً من أجل القدس". وها أننا عازمون قريباً وفي خلال الأشهر المقبلة وعلى وقع عمليات تهويد المدينة المقدسة وإزالة معالمها العربية وطمس طابعها الإسلامي والمسيحي وسكوت المؤسسات العربية المعنية بالقدس، عازمون على تنظيم مؤتمر في الخريف المقبل لجميع المؤسسات العالمية المعنية بأمر القدس حتى يتسنى لهذه المؤسسات أن تنسق نشاطها وأن تفعله قبل فوات الأوان.

 

          أيها الإخوة والأخوات،

          رغبت الهيئات الداعية بإلقاء الضوء على هذه الوثيقة والإضاءة على مضمونها وتفعيل صرختها محلياً وعربياً ودولياً وليس لنا أكثر أهلية لبحثها وتفصيلها وإلقاء الضوء عليها من هذه النخبة المميزة التي تشترك في هذه الندوة، عنيت بهم السادة:

-         غبطة البطريرك ميشال صبّاح

-         معالي الوزير د. طارق متري

-         معالي الوزير د. عدنان السيد حسين

-         الأستاذ محمد السماك  

كلمة القاضي عباس الحلبي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

في اللقاء الإقليمي التدريبي لدعم المرأة

بعنوان

"دور المرأة في الحوار الإسلامي المسيحي"

البريستول – 5/10/2009

ـــــــــــــــــــــ

 

 

        يسرني أن أرحب بكم جميعاً باسم الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي في هذه الندوة الإقليمية حول دور المرأة في الحوار الإسلامي المسيحي وأشكركم على حضوركم كما أشكر المتحدثين المميزين ضيفي الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي معالي الوزيرة أورسولا بلاسنيك وزيرة الخارجية النمساوية السابقة ومعالي وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود.

 

        تشكل هذه الندوة تطوراً نوعياً في عمل الفريق الحواري ليس لأنها المرة الأولى التي يولي الفريق فيها الأهمية لمشاركة المرأة في الحوار ذلك أن في لائحة المؤسسين لهذا الفريق أكثر من مساهمة من قبل ناشطات في هذا الحوار كما أنه لا تخلو ندوة أو نشاط من مساهمة فعالة من المشاركات دون الإشارة إلى مخيمات العمل التي أحياناً يفوق عدد المشتركات عدد المشتركين. ولكن الأهمية تكمن في أننا نخصص هذه الندوة تخصيصاً لدور المرأة في الحوار. وأسارع للقول بأن عقد هذه الندوة جاء تنفيذاً لمقررات الفريق التي اتخذها في القاهرة في مطلع هذه السنة والتي أشار فيها إلى أهمية مشاركة النساء والشباب في الحوار لكي لا يبقى هذا الحوار أسير المنتديات التقليدية "الذكورية" بل أن ينفتح ليشمل شرائح جديدة واسعة توسّع له الآفاق. فالتوجه إلى المرأة يعني أن الأهمية المعطاة هي للتربية والتوجه نحو الشباب يعني أن الأهمية المعطاة هي للمستقبل. وهكذا يرى الفريق دور المرأة مهماً على أكثر من صعيد ويهيء الفرص لمباشرة الفريق سعيه لجعل الحوار مادة في التربية الوطنية، خاصة وأن مكان انعقاد الندوة هو بيروت وفي هذا تحية أيضاً لدور المرأة اللبنانية.

 

        قيل زماناً أن المرأة أساس الصمود في الحروب، وذلك صحّ بامتياز زمن الحرب اللبنانية وما لحقها من معاناة،

 

        أوليست النساء هي التي كانت تتلاقى عند خطوط التماس عند وقف النار، تارةً عفوياً بالتسوّق وتبادل السلع والخدمات وطوراً بتنظيم مسيرات اللاعنف.

 

        وليس عبثاً أن منظمة الأونيسكو ركّزت على موضوع "النساء صانعات السلام" منذ ما يزيد عن عامين[1].

 

        واليوم ثبُت أن المرأة أساس المجتمع المدني،

 

        لأنها أساس العائلة – ولو في مجتمعنا الشرقي- وإن لم تكن "ربّ العائلة"،

 

        ولأنها الأكثر مشارَكةً ونضالاً في الجمعيات الأهلية والخيرية،

 

        ولأنها عمادٌ في التفوق، يكفينا أن نقرأ أن "فتيات لبنان يشكّلن 81 في المئة من المتفوّقين" في شهادة الثانوية العامة[2].

 

        لكن الحكومات – كما جاء في مشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان قيد الإعداد في مجلس النواب (2007-...) [3]- "لم تعتن بإعادة نظر فعلية بصورة المرأة في المناهج التربوية الجديدة، فبقيت صورة المرأة محملة بالواجبات والمهام التقليدية، وظل تقاسم الأدوار أسير الأنماط التقليدية للرجل والمرأة"، فـ"النصوص التاريخية والأدبية على سبيل المثال تقدم المرأة سكرتيرة والرجل مديراً، والرجل طبيباً والمرأة ممرضة"...[4] وفي قاموسنا الحواري الرجل محاور والمرأة ربما لا تحاور. نريد نحن أن نقلب الصورة النمطية بالتأكيد على دور المرأة في الحوار.

 

        يكرس هذه الصورة النمطية أن الثقافة السائدة وقوانين الأحوال الشخصية التي تخضع للمرجعيات الدينية المختلفة- يضيف مشروع الخطة الوطنية- "تضفي حالة من القدسية على الأسرة والعلاقات الأسرية وتمنع بالتالي أي تطور باتجاه تعديل الأنماط وإعادة النظر في تقاسم الأدوار وتعديل التصورات التي تحيط بحياة النساء أو بأدوارهن في المجتمع".

 

        ومع ذلك أشارت الخطة إلى أن النساء في لبنان قد أصبحن "أكثر إنتاجية، فمشاركة المرأة في قوى العمل ارتفعت إلى 28%، واستطعن بشكل أو بآخر انتزاع مساحة واسعة من الحريات الشخصية، لكن موقعهن في المجتمع لم يتغير كثيراً، كما أن مشاركتهن في إدارة الدولة والمجتمع لا تزال ضعيفة مقارنةً بامكاناتهن".

 

إلا أنّه، ورغم تلك الجهود المبذولة... يمكن استخلاص الصعوبات والتحديات التالية من قراءة واقع المرأة في مشروع الخطة المذكورة:

        استمرار التمييز ضدّ المرأة في نظام القيم الثقافية والتربوية والسلوكيات الاجتماعية، وعلى المستوى الإعلامي، استمرار الارتهان لمجموعة من الأعراف والتقاليد، تهميش المرأة في سلطة اتّخاذ القرار ولا سيما القرار السياسي، وجود استقرار تشريعي "بالمعنى السلبي"، وذلك لسببين، أولهما متمثّل بالتحفظات الصريحة التي أبداها لبنان لدى انضمامه إلى اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، بما يعطّل أهداف تلك الوثيقة وروحيّتها، وثانيهما متمثّل بواقع النظام الطائفي اللبناني القائم على التعدّدية ومدى تأثيره على البنية التشريعية الداخلية، لا سيما لجهة استحالة استصدار تشريعات مدنية موحدة في مجال الاحوال الشخصية، إلخ.

 

        هذا فضلاً عن أن الثقافة التقليدية والمستندة غالباً إلى فتاوى بعض المؤسسات الدينية تضع قيوداً على تعليم المرأة وعلى دخولها ميادين الإنتاج وتحصرها في أدوار منزلية. 

 

        أصحاب المعالي،

        أيها الإخوة والأخوات،

         أهلاً وسهلاً بكم، وشكراً على حضوركم وتلبيتكم الدعوة،  

 

وبالفعل، جاءت فكرة هذا اللقاء من قناعة تقول أن الحوار الإسلامي المسيحي يجب ألا يكون محصوراً في "النخبة" أو في فئة الرجال فقط، بل أن تقوم به جميع شرائح المجتمع وخاصة المرأة والشبيبة...

 

من هنا تأتي أهمية هذا المشروع الذي يهدف إلى تقوية دور المرأة وحضورها وفاعليتها في المشاركة في معظم الأنشطة الحوارية في المجتمع. وهي ربما الأقدر على القيام بالحوار بدبلوماسيتها وقدرتها على التواصل.

 

فلا زلنا في لبنان نطرح التساؤل تلو الآخر، عن قصور حقوق المرأة عن مجاراة تنامي دورها في المجتمع المدني:  

 

نتساءل مثلاً، حتّامَ تُسلَبُ وصاية أولادها والأم تُحرم من منحها جنسيتها؟! رغم تقديم أكثر من مشروع قانون من هيئات المجتمع المدني ومن معالي الصديق الوزير زياد بارود،  

 

نتساءل مثلاً، متى تشارك المرأة حقاً في العمل السياسي عندنا أمّا وقد نالت حقوقها في الانتخاب منذ العام 1952، أي منذ ما يزيد عن نصف قرن ؟!

 

لماذا يكون عدد محدود من النساء في المجلس النيابي لا يصل حتى إلى 5% من مجموع عدد أعضائه، بمقابل نسبٍ تقارب 40% في بلدان مثل السويد وفنلندا.

 

أفلا نقتدي بالدول العربية نفسها، بخاصّة عندما ندرك أن أكثر من 100 من أصل 116 دولة شملها احصاء للأمم المتّحدة، تتقدّم على لبنان في ميدان مشاركة المرأة في صناعة القرارين السياسي والاقتصادي، والعديد منها دول عربية؟!

 

وهل نعي أن نسبة اشراك المرأة في تعيينات السفراء والمدراء العامين وسائر تعيينات الموظّفين من الفئة الأولى مجتمعةً عندنا لا تتعدّى 4 % ؟ وهو رقم لا يعكس، على تقدّمه البيّن قياساً على السنوات السابقة، نسبة الذكور الى الاناث في لبنان ولا نصفها ولا ربعها ربّما، ولا ولا... .

 

 ان هذه الأرقام تستدعي وقفةً فصحوة وتحرّك. فمسألة تردّي مشاركة المرأة في الحياة العامّة تتعلّق بالعقلية السائدة في لبنان ولا تكمن في النصوص. وقد جاء في احصاء لمؤسسة رينيه معوض نشر عشية الانتخابات البلدية في العام 1998، أن 28% من الرجال يعارضون كليّاً مشاركة المرأة في الحياة السياسيّة وآخر نشر حديثاً عام 2006 يشير إلى أن 80 بالمئة من الناخبين لم ينتخبوا نساء من قبل.  وأحسبهم، في التطبيق، أكثر تشدّداً من ذلك!

 

المؤسف أن لبنان لا يطبّق كفاية الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق المرأة والتي كان صادق عليها.

دعوني أقول إن حرص لبنان في مسائل الدين العام الخارجي على إيفاء التزاماته المالية تجاه الدول المُقرضة، يقتضي أن يترافق على السواء مع إيفاء التزاماته الدولية في ميدان حقوق الانسان وحقوق المرأة. فالالتزامات الدولية كلّ لا يتجزأ ومعها مصداقية الدول.

 

أتمنى أن تكون هذه الندوة قد حققت الغاية من انعقادها وللمساهمين في نجاحها كل الشكر والتقدير.

 

وإن للمجتمع المدني دوراً كبيراً في تحقيق تفعيل دور المرأة وعلينا نحن ذلك في ميدان الحوار الإسلامي المسيحي، ولعل في لقائنا التدريبي اليوم فسحة أمل ونشاط فإنجاز إن شاء الله.

 

***

كلمة القاضي عباس الحلبــي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

في افتتاح الندوة الدولية حول موضوع

"مرصد التعددية الدينية في لبنان والمجتمعات العربية:

تاريخ وتحولات واستشراف"

24/10/2009

جامعة القديس يوسف/ حرم العلوم الإنسانية

 ــــــــــــــــــــــــ

 

        حضرة رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور رينيه شاموسي،                

حضرة رئيس المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدكتور انطوان مسرة،

حضرة الدكتور Thomas Birringer الممثل المقيم لمؤسسة  KAS  عمان.

 

        أيها الأخوة والأخوات،

 

        أحييكم وأنوّه بالفكرة من وراء عقد هذه الندوة الدولية حول التعددية الدينية في لبنان والوطن العربي برعاية مؤسسة كونراد اديناور التي نوجّه إليها الشكر على مساهمتها، كما أحيي مشاركتكم في إنجاحها.

 

        تطرح التعددية الدينية إشكالية ما درجنا على تسميته نحن أهل الحوار "العيش المشترك": هل ينظر إليه أنه سر تمايز لبنان والوطن العربي أم سبب نقمة هذا البلد وهذه المنطقة، لقد شكلت هذه التعددية موضوعاً مهماً على جدول أعمال الفريق العربي للحوار الإسلامي ولا يزال، إذ أننا قاربناها، أي التعددية، من منظار التوترات الدينية ودراسة حالات العيش المشترك في البلدان التي تشكل فيها التعددية الدينية حالة تاريخية، كما وصفنا حالة هذه العلاقات الإسلامية المسيحي في ما سمي ميثاق عربي إسلامي مسيحي للحياة الواحدة، وأخيراً بإصدار وثيقة الاحترام المتبادل بين أهل الأديان.  

 

        من إشكاليات العيش المشترك الحوار بين مكونات لبنان والمنطقة العربية على ما درجنا على تسميته أيضاً الحوار الإسلامي- المسيحي. هل هو حوار النخبة أم حوار أبناء الشعب؟ وهنا تطرح جملة موضوعات تتصل بالتربية كما في غياب التربية والاعتراف المتبادل بين أبناء مختلف الطوائف والذي يؤدي إلى المعرفة المتبادلة وضرورة وأهمية وأزلية الحوار خصوصاً وأننا في حرم جامعي مرموق يشارك في الإشعاع الثقافي والتربوي والعلمي في لبنان والمنطقة العربية.

 

        لقد كان التسامح الطريق المؤدي إلى الاعتراف بالآخر وتعميمه في المناهج التربوية وتضمينه في الكتاب المدرسي الذي يعكس سلم القيم هذا.

       

        أيها الأخوة والأخوات،

 

أخال الأوان قد آن لإجراء جردة بالماضي وتنقية هذا الماضي وتكوين ذاكرة للاستغفار والتسامح كي نستطيع أن نبني الحاضر ونهيئ للمستقبل.

 

        كنت أتمنى أن أدعو الأديان لرص صفوفها كي تتمكن مجتمعة من مواجهة التحديات إذ أن المخاطر التي تواجهها في عصرنا الحاضر كبيرة وخطيرة. لم تكن الأديان في تاريخها تواجه مثل هذه التحديات الراهنة: العلمانية/ التكنولوجيا/ العولمة/ التطرّف والأصولية، كل ذلك يغلّف المضمون برداء ظاهره جميل ولكنه بعيد عن الروحانية وهو يشكل تاليا تحديا أشبه بتحدي الموت والحياة بالنسبة إليها. لذلك على الأديان، مهما تعدّدت، أن تعمل سوية لمواجهة هذه المخاطر والتحدّيات ذلك أن كل عنصر من عناصر التحدي يكفي بذاته فما بال دين واحد لمواجهتها جميعها في آن معاً. لذلك المطلوب عمل مشترك وبالتالي علينا أن ننظر إلى التعددية الدينية على أنها عنصر غنى ترتبط بعضها ببعض بمجموعة قِيم مشتركة سياسية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية ولا ترتبط إطلاقاً بحوار العقائد غير المجدي.

 

        أزعم أن ندوتنا بما لها من أطر علمية وخبرات شخصية ومشاركات غنية تستطيع أن تحدد إشكاليات التعددية الدينية ورصدها. ولا أشك في أن ما كتب منذ سنوات لا يزال ينطبق على حالنا الراهنة لا بل أصبحت الحاجة إلى الإصلاح في يومنا تفوق حاجتنا إليه سابقاً. فإذا بقي في ما مضى دون أن يلقى طريق التطبيق وهذا خطأ فإبقائها مجرّد شعارات اليوم خطيئة!

 

        لعلنا نحتاج إلى إصلاح في السياسة وفي الدين وفي السلوك. إصلاح السياسة بانتهاج النظم الديموقراطية وتأمين مبدأ تداول السلطة والتمثيل السياسي وصحة هذا التمثيل لشرائح المجتمع بالانتخاب الديموقراطي وتأمين الحاجات المعيشية والاجتماعية والتربوية والصحية.

 

        الإصلاح في الدين هو بالعودة إلى الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والمتطرفين، ورفع الغطاء عن التكفيريين والمفجّرين والإرهابيين الذين يلقون قاعدة لتطرفهم سوء تفسير بعض النصوص الدينية التي تشوه مضمونها ومعناها.

 

        والإصلاح في السلوك هو في إعادة الاعتبار للاحترام المتبادل بين الأديان ولا سيما الدينين الإسلامي والمسيحي وبين أتباع الديانات بعضهم إزاء بعض فنغادر الخطاب الإتهامي والتجريحي والتحريفي والتشويهي والتكفيري لكي يقبل كل منا نفسه والآخر باحترام.

 

        وأخيرا أتمنى النجاح لهذه الندوة كما اتمنى أن تضع آلية للمتابعة إذ لا يكفي أن نعقد الندوات بل المطلوب المتابعة ووضع آليات للتنفيذ حتى لا ننسى ما جرى في الندوة فور انتهائها بل أن نعمل للمتابعة وتراكم المعرفة والخبرات وهذا ما عهدناه في الدكتور مسرّة وأخال المضمون من العنوان يُقرأ: "مرصدٌ " للتعددية الدينية فيه ما فيه من "استشراف"!

والله من وراء القصد.

Communautarism and role of religion in public sphere

 

Communautarisme et

rôle de la religion dans la sphère publique

par

Abbas el HALABI*  

 

 

La composition communautaire du Liban confère à ce pays un visage très particulier et le dote d'une société multiconfessionnelle. Contrairement aux pays arabes qui l'entourent et à Israël, le Liban ne possède pas de religion d'Etat spécifique. Israël, bien que se présentant comme un pays démocratique et séculaire, revendique ainsi aux yeux du monde son identité d'Etat juif tandis que la plupart des pays du Proche et du Moyen-Orient reconnaissent l'Islam comme religion d'Etat et la Charia comme source principale de la législation.

 

A titre d'exemples, l'article 1 de la Constitution du Soudan stipule que ce pays est un Etat-nation rassemblant diverses cultures et ethnies, et que les religions s'y tolèrent les unes les autres. Elle précise que l'Islam est celle de la majorité des habitants, et que le christianisme et les autres cultes possèdent des fidèles, des adeptes (أتباع معتبرون   ). L'article 3 de la Constitution syrienne stipule que l'Islam est la religion du chef de l'Etat.

Les Constitutions des autres pays arabes stipulent ces idées dans les parties suivantes :

-                      Article 2 de la constitution du Koweït.

-                      Chapitre 1 de la constitution de Tunis.

-                      Article 2 de la constitution égyptienne.

-                      Article 7 de la constitution des Emirats Arabes Unis.

-                      Article 2 de la constitution algérienne.

-                      Préambule et chapitre 6 de la constitution maghrébine.

-                      Article 1 de la constitution du Qatar.

-                      Article 2 de la constitution jordanienne.

 

Le Liban, qui intègre diverses communautés et religions dans son fonctionnement, fait donc ainsi figure d'exception. Les communautés reconnues par l'Etat sont nommées dans la législation et l'appartenance de chaque Libanais est clairement définie.

 

En ceci réside toute la complexité du système libanais : bien que n'étant pas un Etat religieux, le Liban recèle des composantes religieuses omniprésentes. Présentes à la racine identitaire de tout Libanais, communautés et religions sous-tendent ainsi tous les aspects de leur vie et influent aussi bien sur les domaines politique, culturel et social.

 

De là se posent les problèmes de l'appartenance au Liban, du lien à la citoyenneté et du rôle du communautarisme dans la sphère publique.

 

 

 

Former Judge, Vice Chairman - legal Advisor of BBAC Bank. Professor at St. Joseph's University, Member of the National Committee of Muslim/Christian Dialogue, Vice President of the Lebanese National Commission for UNESCO, President of the Arab Group for Muslim/Christian Dialogue, Representative of the Druze Community at the Synod for Lebanon, Councilor at Taïf conference.  Author of several books: in 2001, About Dialogue, Reconciliation, and Civil Peace; in 2007 le Dialogue interreligieux: le contexte arabe et l'exemple Libanais, both  published by the Muslim/Christian Studies Institute, St. Joseph University; In 2005 Les Druses: Vivre avec l'avenir book in French; in 2008 The Druze: Culture, History and Mission, book in Arabic, and recently in 2009 "حوار الأديان وبناء الدولة " le dialogue Interreligieux et l'Edification de l'Etat au Liban", all published by Darannahar, and numerous articles and short publications for magazines and newspapers local and regional.

 

1)      Le communautarisme libanais.

Etat multiconfessionnel et non pas laïc, le Liban est pourvu d'un système politique communautaire. Cela signifie que les Libanais se définissent à travers leur appartenance communautaire et religieuse avant de se définir par leur appartenance au pays. Il n'existe pas de lien direct de citoyenneté entre l'Etat et les Libanais.

 

Exacerbées par la guerre civile, les identités communautaires furent revendiquées et ostensiblement affichées après le conflit. Institutionnalisé depuis l'Indépendance, le communautarisme en sortit renforcé, la division communautaire étant en outre inscrite dans le système constitutionnel du pays. L'Etat libanais reconnaît ainsi dix-huit communautés religieuses, chrétiennes, musulmanes, druzes et judaïque pour une très infime part.

 

La démocratie libanaise, telle que la définit sa Constitution et telle qu'elle fut réaffirmée par les accords de Taëf en 1990, repose non seulement sur la séparation des pouvoirs législatifs, exécutifs et judiciaires, mais veille également à ce qu'ils soient répartis entre les différents groupes confessionnels. Selon les coutumes constitutionnelles, la Présidence de la République revient ainsi à un Maronite, le poste de Premier Ministre à un sunnite et la Présidence du Parlement à un chiite. Ce communautarisme politique implique d'autre part que les portefeuilles ministériels soient répartis suivant des quotas spécifiques entre chaque communauté. Dans le même esprit, les emplois politiques, administratifs et judiciaires sont répartis entre ces dernières.

 

Au-delà de cette répartition confessionnelle dans le domaine politique et gouvernemental, la Constitution confirme les garanties dont jouissent chacune des communautés qui composent le pays. Elle garantit ainsi à tous les Libanais, quel que soit leur confession ou leur rite d'appartenance, la liberté de conscience et l'exercice de leur foi, le respect de leur statut personnel et de leurs intérêts religieux, dans le respect de l'ordre public. Elle octroie à chaque communauté le pouvoir de s'organiser sur les plans juridique, spirituel et organisationnel, selon ses traditions, ses coutumes et de manière autonome. Elle garantit également à chaque communauté le droit d'établir ses propres écoles et ses établissements privés.

 

Toutes les communautés gèrent ainsi leurs propres affaires religieuses, leurs affaires internes et leurs institutions de bienfaisance conformément aux dispositions spirituelles, aux privilèges confessionnels et aux lois de la communauté, ainsi qu'aux systèmes qui en découlent. Les problèmes touchant à ces questions sont tranchées par les tribunaux religieux communautaires. Pour les musulmans et les Druzes, les postes dans ces tribunaux sont rémunérés par l'Etat, en raison de certaines survivances de la période ottomane. En revanche, les postes dans les tribunaux chrétiens relèvent de leurs Eglises respectives selon leur confession. Les Libanais ne sont donc pas soumis aux mêmes lois en ce qui concerne le statut personnel, et les différentes législations sont même susceptibles de varier au sein d'une même communauté. Les musulmans peuvent ainsi être soumis au rite hanéfite, malékite, shaféite, hanbalite ou jaafarite.

 

En revanche, tout ce qui est en dehors du domaine de compétence et du champ d'application du statut personnel relève du tribunal civil et du système juridique de l'Etat libanais, et ce, pour l'ensemble des Libanais.

 

L'autonomie des communautés ne devrait donc pas se faire au détriment de l'Etat puisqu'elle ne s'applique généralement qu'au statut personnel des Libanais. Malheureusement, le communautarisme connaît de nombreuses limites et nuit, d'une certaine manière, au projet d'un Liban uni. La diversité religieuse et communautaire constitue sans aucun doute un élément d'enrichissement de la société à condition qu'il y ait un Etat qui puisse gérer cette diversité d'une façon convenable. L'exemple Libanais n'est pas tout le temps un exemple réussi.

 

Le système politique du Liban octroie des privilèges à ses communautés, ce qui rend difficile de transcender l'Etat confessionnel au profit d'un Etat national où tous les Libanais seraient considérés sur la base d'une citoyenneté unique. Les communautés jouent un rôle prépondérant sur le plan social et culturel, et il ne faut pas sous-estimer l'importance et le poids du statut personnel dans la vie des Libanais. La diversité religieuse constitue quant à elle un facteur de discorde dans la trame du tissu social.

 

 

2)      Défaillance de l'Etat

Le développement social de la société libanaise présente à la fois des caractères de développement et de sous-développement. Le tissu urbain est assez moderne, les taux d'alphabétisation et de scolarisation sont similaires à ceux enregistrés en Europe, et certains indicateurs sociaux montrent une évolution sociale vers davantage de liberté et de responsabilité (recul de l'âge du mariage, études plus poussées, emploi des femmes, baisse du nombre d'enfants…). Mais face à ce paysage, bien que dix-huit années se soient écoulées depuis la fin de la guerre civile libanaise, force est de constater que la reconstruction du Liban entreprise par les gouvernements successifs du pays ne semble toujours pas avoir porté ses fruits.

 

Les programmes de reconstruction du Liban ne furent finalement jamais porteurs d'une vision d'avenir réaliste et manquèrent de lucidité quant aux données concrètes du pays et quant à sa place dans l'environnement arabe. Ne réalisant pas la gravité et le sérieux de la crise économique et sociale, les classes dirigeantes libanaises se sont essentiellement concentrées sur la restauration des infrastructures libanaises sans songer à les réhabiliter. Elles comptaient beaucoup trop sur la reproduction automatique et spontanée du rôle et des fonctions économiques du Liban de l'avant-guerre. Elles négligèrent de concevoir de véritables plans de développement en mesure de s'adapter aux évolutions nationales et internationales et de couvrir de nouvelles exigences. Quoique réels, les efforts de reconstruction furent fondés sur des scénarios trop optimistes et donc trop onéreux. Ils entraînèrent rapidement une crise des finances publiques et une dégradation des conditions sociales. Les inégalités s'aggravèrent et s'aggravent encore sur tous les plans : salaires, santé, enseignement, conditions de vie sociale, etc., et s'accompagnent de l'accroissement d'une population pauvre.

 

La stratégie économique de la classe dirigeante se résuma à l'idée que la solution des problèmes sociaux libanais serait le produit naturel de la croissance économique. Aucun plan se rapportant à la question sociale ne fut donc élaboré et l'Etat négligea purement et simplement d'intervenir dans ce domaine. Bien que les dépenses sociales aient augmenté dans les années 1990, leur impact réel et l'éventail des couches sociales qui en bénéficièrent furent relativement réduits.

 

Aucun gouvernement libanais n'a donc sérieusement assumé le rôle qui lui était dévolu, à savoir s'attacher au relèvement de l'économie, et à la réalisation de l'entente nationale afin d'accompagner la sortie de la guerre. Il semblerait au contraire que les dirigeants libanais aient sciemment cherché à ne pas favoriser le nouveau pacte social dans un pays laminé par la guerre, la crise économique, l'émigration et la provincialisation culturelle.

 

Le Liban ne fut pas vraiment engagé sur la voie de la réconciliation nationale, de la réunification de la société ni de la reconstruction de l'Etat. Au contraire, l'insécurité persistante, l'éclatement et la dispersion des familles lors de la guerre civile, la dégradation des conditions socio-économiques et l'absence d'un appareil d'Etat digne de ce nom, ont contribué à renforcer les appartenances communautaires et à valoriser les communautés religieuses comme cadre identitaire ultime. La guerre contribua ainsi à modifier de manière radicale les représentations sociales libanaises.

 

 

3)      La concurrence entre Etat et communautés.

La proclamation des identités confessionnelles est encore courante dans le Liban actuel, et le patriotisme communautaire davantage exacerbé qu'avant la guerre. La différenciation communautaire est devenue le principe central de la vie politique et le moteur premier de la mobilisation des Libanais.

 

Face à la démission de l'Etat, le pouvoir des communautés se consolida à l'intérieur des institutions étatiques et dans l'ensemble de la société. L'absence de résultats concrets et le mépris affiché par les gouvernements libanais des réalités socio-économiques a imposé au Liban un modèle de société où les sphères religieuses, politiques et sociales sont devenues indissociables, formant un écheveau inextricable. Le système qui se mit en place fut un communautarisme pur et simple, dont le rôle et l'influence prirent le pas sur le rôle de l'Etat, de plus en plus affaibli par la crise qui persiste encore au Liban.

 

En l'absence de politique sociale digne de ce nom, les individus devinrent de plus en plus dépendants de leur communauté d'origine. En raison de la défaillance du rôle de l'Etat, chaque Libanais en vint ainsi à se référer de plus en plus souvent aux structures et aux cadres de sa propre communauté. Il y a « une dépendance de plus en plus grande de l'individu vis-à-vis de « son » homme politique, de « ses » réseaux de charité, de « ses » institutions religieuses, de « ses » institutions familiales »[1].

 

D'un point de vue institutionnel, la répartition confessionnelle des pouvoirs se traduisit au fil du temps par la mainmise et l'influence des groupes confessionnels les plus importants démographiquement et de familles politiques dynastiques. Un principe fondamental de la démocratie libanaise, celui de la bonne représentation au parlement demeure incertain puisque le problème de l'élaboration d'une loi électorale juste et équitable soulève toujours les passions. En effet, chaque échéance électorale se fait sur une loi votée spécialement pour cette échéance spécifiée et beaucoup de dérives furent constatées.

 

Trop concentrée sur ses intérêts directs et personnels, la classe politique n'a jamais remis en cause le clientélisme communautaire, régional ou familial sur lesquels elle se repose finalement. Les politiciens profitent des ressources de l'Etat et freinent toute tentative de réforme. De nombreuses régions libanaises se singularisèrent ainsi par une forte couleur confessionnelle et une grande homogénéité communautaire. L'expérience nous montre que l'Etat exerce sa politique sur son territoire et par le biais de lois publiques. Mais les exemples ne manquent pas de pouvoir régionaux locaux qui bénéficient d'une autonomie dans la gestion de leur région, en lieu et place du pouvoir central de l'Etat. 

 

Le pouvoir renforcé des communautés affaiblit l'Etat, bien que le système politique libanais prescrive une coordination entre les communautés et favorise la compétition à l'intérieur de chacune d'entre elles. Entraînant de facto un morcellement complexe de la société libanaise, le communautarisme libanais a un impact aussi important que néfaste sur l'homogénéité du tissu social, notamment pour tout ce qui touche aux domaines entrés sous la gestion des communautés.

4)      Relais des communautés dans les domaines publics

A cause de la défaillance de l'Etat et de la dégradation des conditions sociales dans le Liban d'après-guerre, les communautés ont été contraintes de prendre le relais et de proposer à leurs membres tous les services qui auraient dû normalement relever des pouvoirs publics, notamment au niveau de l'éducation, de l'assistance sociale et, plus largement, des domaines touchant au statut personnel. Nombre de communautés se sont ainsi dotées de leurs propres établissements de santé, d'éducation et des leurs propres organes de presse et de média.

 

En terme d'éducation, la Constitution libanaise reconnaît le droit à l'éducation pour tous les enfants jusqu'à un certain âge, et ceci sans discrimination de sexe ni d'origine sociale. L'école publique et l'Université Libanaise dispensent un enseignement quasi gratuit et de bon niveau. Mais la guerre a engendré une baisse du niveau de l'enseignement public et on constate encore aujourd'hui qu'un grand nombre d'enfants ou d'adolescents abandonnent leur scolarité pour commencer un travail salarié.

 

Ce phénomène s'est doublé, dès les années 1980, par la naissance d'une multitude d'institutions privées, dont le nom revendique explicitement l'origine communautaire : en 1986, sept instituts et facultés islamiques furent ainsi créés ; l'Université des Sœurs Maronites fut fondée en 1987 ; l'Université de Balamand, de confession grecque orthodoxe, fut fondée en 1987. Dès la sortie de la guerre, le morcellement communautaire du champ universitaire fut entériné par l'Etat libanais, à travers l'ouverture des sections de l'université libanaise dans toutes les régions d'une part et la reconnaissance de nouvelles universités privées de l'autre : l'université al-Manar en 1990 ; l'université islamique de Beyrouth, dépendant de Dâr al-Fatwa (sunnite) ; l'université islamique au Liban, chiite ; l'université des antonins, en 1996 ; etc. (plus de 40 universités).

 

Quoique ces universités soient soumises à des règles strictes en matière d'enseignement et de programmes, elles démontrent non seulement la faillite d'un projet national unique mais entraînent également, à leur manière, des disparités sociales. Un nombre croissant de familles des couches moyennes n'arrive plus à payer la scolarité privée de leurs enfants, et ce phénomène répand de plus en plus le sentiment que l'école publique est une école pour les pauvres.

 

De manière toute aussi grave, sinon plus, ce phénomène touche le domaine de la santé. Les soins de santé publique abandonnés aux intérêts étroits des différentes factions politiques et communautaires, la santé est ainsi devenue l'objet de réseaux de clientélisme, de fondations d'établissements privés et confessionnels financés dans leur majorité grâce au budget du Ministère de la Santé Publique et d'autres garants publiques. Au même titre que le domaine universitaire, elle fut soumise à la double contrainte du marché et du communautarisme et ce qui est plus dangereux à la corruption, et à l'abus.

 

Dans le domaine de la presse et des medias, le communautarisme entrave également tout projet national et démocratique. La télévision et la radio d'Etat ayant été affaiblies par les gouvernements libanais successifs, le paysage médiatique libanais est teinté de confessionnalisme. La plupart des médias libanais sont ainsi financés par des partis politiques, eux-mêmes établis sur des bases confessionnelles. Bien qu'ayant le mérite d'empêcher, dans une certaine mesure, toute tentative d'atteinte à la liberté d'expression, ce système entrave toute tentative de construction d'une société unifiée, basée sur la coexistence communautaire censée être à la base du consensus libanais.

 

5)      Le poids de la religion

L'identité religieuse des communautés forme les racines de toute la vie libanaise, que ce soit dans les domaines politiques, culturels ou sociaux. Deux formes de communautarismes coexistent au Liban, un communautarisme politique et un communautarisme touchant au statut personnel. Le poids de la religion est aussi important dans l'un comme dans l'autre.

 

Les cadres religieux des communautés occupent une place importante dans la vie des Libanais. En l'absence de droit civil libanais, ils sont en effet les législateurs et les exécuteurs de tous les aspects touchant à leur vie. Les structures communautaires accompagnent ainsi les membres des communautés tout au long de leur vie, de la naissance jusqu'à leur décès, dans tous les domaines touchant à l'état des personnes ou à la famille : mariage, statut personnel, filiation, dévolution successorale, … Légalement reconnues par l'Etat, les communautés jouissent de leur propre autonomie en ce qui concerne tous les aspects afférents au statut personnel et relèvent de lois établies par elles-mêmes.

 

Les sunnites obtinrent ainsi le droit de former leur propre conseil et d'élire le Grand Mufti de la République. Les Druzes obtinrent de réglementer l'ensemble de leur organisation sociale et communautaire, leurs affaires étant régies par la loi relative au Conseil communautaire druze. Les chiites se dotèrent également de leur propre organisation, le Conseil supérieur chiite, tandis que les chrétiens relèvent de leurs Eglises respectives.

 

Le domaine religieux a fortement contribué au renforcement du communautarisme et s'est retrouvé étroitement lié au domaine politique dans la mesure où, à la sortie de la guerre, les hiérarchies religieuses se sont substituées aux élites laïques absentes ou déchues par le dénouement de la guerre civile. De plus, strictement politiques au sein des communautés chrétiennes, les rivalités politiques se doublent souvent de rivalités religieuses, notamment entre les diverses familles spirituelles musulmanes (chiite et sunnite).

 

L'influence du domaine religieux montre à quel point le communautarisme peut se révéler fort dans la gestion du pouvoir. La compétition entre les communautés ralentit les prises de décisions et peut considérablement ralentir le bon fonctionnement du système publique libanais, voire son provoquer son dysfonctionnement pur et simple. A titre d'exemple, l'ancien Président de la République Elias Hrawi (1925-2006) avait essayé d'amener le gouvernement  à voter une loi, en 1998, pour la mise en place d'un mariage civil facultatif. Bien que le gouvernement l'ait adopté, le projet de loi n'a pu aboutir face à l'objection des dirigeants religieux. Une collusion se fit entre les politiciens, soucieux de préserver le régime communautariste, et l'ordre religieux, et ils parvinrent à stopper le processus de loi.

 

Les traditions religieuses n'exercent pas seulement une influence indirecte sur les institutions politiques. Les groupes religieux y jouissent d'une assise constitutionnelle incomparable, et nous pouvons dire sans exagération que ce sont eux qui forment jusqu'à présent l'Etat et qui dominent toute la société libanaise !

 

 

6)      Le dynamisme de la société civile libanaise

Le fait d'appartenir à une communauté religieuse renforce la cohésion et la solidarité de ses membres, accroît leur force identitaire et crée le besoin de se référer à une culture et à une discipline religieuse communes. Les communautés possèdent ainsi des structures à la fois religieuses et sociales qui leur sont propres. Si les structures religieuses démontrent l'attachement des Libanais à leur culture, à leur identité et à leur confession religieuse, les structures sociales démontrent l'homogénéité et la cohésion de leurs communautés d'origine, et soulignent les liens de solidarité qui existent en leur sein.

 

La nécessité pour les communautés d'assurer pour leurs membres de nombreux services entraîne un dynamisme et une vitalité accrue de la part de la société civile. De larges initiatives voient le jour sur le plan social, entreprises notamment par les structures religieuses des communautés, leurs ordres religieux, les organismes sociaux, des partenaires financiers, ayant la plupart du temps des extensions au-delà des frontières (l'Iran pour les shiites, l'Arabie Saoudite pour les sunnites).

   

Ces initiatives ont essentiellement pour objet d'assurer des missions essentielles, alimentées par de fortes solidarités communautaires : contributions vitales en matière de santé ou de scolarité ; fondation ou subvention aux institutions telles que des hôpitaux, des écoles, des universités, des établissements sociaux ; organisation de services sociaux ou médicaux ; soutien matériel aux déplacés ; etc. et même récemment reconstruction d'infrastructure.  

 

Un exemple frappant illustre parfaitement le dynamisme de la société civile. Lors de l'agression d'Israël sur le Liban, au cours de l'été 2006, de larges mouvements de population se sont amorcés, affectant près d'un quart des habitants du pays. Très rapidement et spontanément, de nombreux acteurs civils et de nombreuses organisations, qu'il s'agisse de citoyens, d'institutions publiques ou privées libanaises, se sont mobilisées aux côtés des secours. Des actions de solidarité se sont mises en place afin d'aider les populations déplacées, de les héberger et de les ravitailler. L'arrivée massive de populations chiites venues du Sud Liban dans des régions à majorité sunnite, chrétienne ou druse a laissé craindre l'éclatement de tensions interconfessionnelles. Or, de manière surprenante, les mouvements de solidarité se mirent en place spontanément, de manière rapide et en ignorant les frontières communautaires.

 

Le rôle premier joué par les acteurs civils libanais au cours de ce conflit a témoigné de la vigueur du tissu associatif et confessionnel, autant que de la faiblesse des institutions gouvernementales, tout en donnant la preuve d'une mobilisation libanaise intercommunautaire !

 

 

Conclusion : le communautarisme, ou un frein à la naissance de tout projet national uni

Le communautarisme et le confessionnalisme libanais posent de vrais problèmes, notamment parce qu'ils offrent un terrain favorable au système du clientélisme et aux abus qui en découlent, et parce qu'en rejetant toute idée de laïcité (dans le sens non religieux et non confessionnel), il entrave toute idée d'une citoyenneté libanaise unie.

 

Depuis l'adoption de la nouvelle loi constitutionnelle en 1990, la structuration de la société libanaise en communautés religieuses régies par leur droit privé n'est plus du tout contestée. Les demandes d'instauration d'un droit civil facultatif ou de séparation du domaine religieux et du domaine politique demeurent extrêmement rares et se heurtent à de farouches objections.

 

Le domaine exclusif du statut personnel et l'absence de toute juridiction civile en la matière place les Libanais sous la coupe exclusive de leurs communautés et confessions d'origine. Le rôle de l'Etat, en matière de citoyenneté libanaise, se restreint finalement à la tenue du registre civil et à la reconnaissance d'effet des mariages civils conclus en dehors du Liban et de tous les actes établis pour les autorités communautaires. 

 

En l'absence de droit civil laïc, la gestion sociale et religieuse des Libanais demeure complètement dépendante du domaine religieux. Les comportements civils, c'est-à-dire détachés de tout lien communautaire, demeurent extrêmement rares. Ils sont pourtant observables dans deux domaines particuliers : la multiplication de mariages mixtes (c'est-à-dire intercommunautaires), conclus surtout à Chypre, en Turquie ou en France ; l'extension de zones d'habitats mixtes, à l'inverse du régionalisme profondément ancré dans les mentalités libanaises (le centre ville de Beyrouth, fleuron de la reconstruction d'après-guerre, est le lieu de rencontre des Libanais toute confession confondue).

 

Mais il n'est pas encore question pour le Liban de se doter d'une citoyenneté affranchie de la médiation communautaire. Il n'est d'ailleurs même pas question d'un régime civil et laïc "facultatif". Le communautarisme devrait supposer que chaque citoyen puisse faire un choix religieux délibéré en faveur de l'une des confessions officielles. Or, le communautarisme libanais oblige chaque Libanais à se mettre sous la bannière de l'une des communautés reconnues, les lois de celles-ci régissant alors inévitablement son statut familial et personnel.

 

Absolument aucune place n'existe au Liban pour ceux qui ne désirent pas prononcer d'allégeance à une communauté existante. Une tentative de créer une 19^ème communauté civile fut vouée à l'échec. Pour s'en convaincre, il suffit de savoir que la possession de la nationalité libanaise ne peut être dissociée de l'appartenance, au moins formelle, à l'une des dix-huit communautés religieuses qui y sont reconnues officiellement. De même, en matière de vie politique, nul ne peut être candidat à un poste de la haute fonction publique s'il ne possède pas l'étiquette d'une communauté, et dans la limite des postes impartis à celle-ci.

 

Au final, la défense par chacun de ce qu'il croit être les intérêts de sa communauté, et la méfiance naturelle développée par le cloisonnement au sein de sa propre confession, empêche les Libanais de prendre conscience d'intérêts nationaux véritables. Visiblement, tout au moins pour les dirigeants des classes politiques, aucun projet national réel commun n'est à l'ordre du jour au Liban. Ceci aide à mieux comprendre le blocage politique dont souffre le Liban actuellement.

 

La préoccupation immédiate de chaque Libanais, des membres des communautés aux classes dirigeantes, étant la consécration de la paix civile, l'instauration d'un équilibre permanent entre les communautés semble prendre arbitrairement le pas sur l'idée d'une culture civile nationale.

 

L'espoir de sortir de la crise libanaise résiderait donc dans l'élaboration d'un régime civil et laïc facultatif, dans la reconstruction d'un Etat civil libanais où la religion aurait sa place et uniquement sa place, ainsi qu'à travers un meilleur rééquilibrage du pouvoir entre Etat et communautés. Mais les résistances restent grandes. Pour en venir à bout, il faudra que les Libanais prennent enfin conscience de ce qu'ils partagent en commun au lieu de se concentrer sur ce qui les oppose.

Culte œcuménique

Dimanche 24 janvier 2010

Eglise Protestante Française

Abbas El Halabi

Membre du Comité National du Dialogue Islamo Chrétien

Représentant de la Communauté Druze

______________________________

 

Excellences,

Monseigneur Béchara al Rai

Monsieur le Pasteur Sarkissian et Madame,

Frères et sœurs,

 

Le thème de cette année étant la parole de Jésus "vous en êtes les témoins" prononcée à ses apôtres après sa résurrection quand il se manifesta à deux d'entre eux à Emmaüs, sur la route de Jérusalem, puis aux onze ensemble, pendant qu'ils étaient réunis à table, et il les envoya dans le monde entier témoigner de son message.

 

Je voudrais m'arrêter sur cette phrase car même en tant que Druze (non Chrétien) elle  m'interpelle à plusieurs titres.

Tout d'abord parce que j'ai toujours pensé qu'être témoin d'un événement exceptionnel, ou d'une époque importante, ou d'une étape historiquement marquante est une grande chance et un privilège qui permet de vivre de façon directe et pure une situation qui serait peut être altérée par le temps et dont on pourrait ignorer encore l'importance, et l'impact sur notre vie ou l'humanité, ce qui est le cas pour les apôtres et les contemporains de tous les prophètes et les grands hommes.

En second lieu, je pense que sans doute le « témoignage » a joué un rôle essentiel dans la propagation du message de Jésus, à une époque où il n'y avait pas de medias ou de technologie et les rapports entre les individus et les peuples entre eux étaient fondés sur l'utilisation de la force et la puissance.

En troisième lieu, et c'est le plus important, car, en tant qu'une personne qui croit au dialogue en général et au dialogue entre les religions en particulier, je ne peux qu'être sensible au fait de « témoigner » qui porte en lui l'idée de communication pacifiste et d'ouverture.

Parce que quand on choisit le témoignage pour partager ses convictions ou propager un message, quelques soient ces convictions ou ce message, cela veut dire que l'on a choisi l'ouverture et le dialogue, car témoigner c'est vivre ses convictions et les partager, c'est dialoguer et communiquer et essayer de convaincre d'une façon sincère et authentique.

Mes cher amis, en ces temps où le monde est en pleine mouvance et notre région traverse depuis des décennies une zone de turbulence et d'incertitudes, chacun de nous, quelque soit sa religion, est appelé à témoigner des valeurs et convictions communes à toutes les religions célestes et en premier lieu la paix et l'unité.  

En tant que chrétiens vous devez témoigner pour l'unité entre les chrétiens. En tant que citoyens nous devons témoigner pour l'unité et la paix de notre cher pays.

En tant qu'humains nous devons témoigner pour l'unité et la paix dans le monde.

Merci.         

المسيحية في الإسلام

بقلم

القاضي عباس الحلبي[1]

ــــــــــــــــ

 

كتاب أتيح لي قراءته بواسطة الأخ الصحافي الكبير الأستاذ سليم نصار الذي أرسل إليّ نسخة منه بالنظر لمعرفته باهتمامي في مختلف الكتب والمنشورات التي تتّصل بالعلاقات الإسلامية المسيحية. وأعترف أنه لم يقع بين يدي كتاب شبيه بهذا الكتاب منذ بدأت اهتماماتي بهذه العلاقات أي منذ ما يقارب العشرين السنة.

إنه كتاب معبّر وضعه الباحث، المدقق والمؤرخ غير التقليدي، الأستاذ احمد عثمان ونشره وقدم له رجل الأعمال الأستاذ منير غبور من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد صادفت قراءتي له على وقع الأحداث المؤسفة التي تجري في مصر الشقيقة وفي نجع حمادي تحديداً بين المسلمين والمسيحيين والقتلى الذين ذهبوا ضحية الجهل والتطرّف في سياق تصاعد الفتن الطائفية في هذا البلد العريق في تاريخه والأصيل في علاقات الود والتسامح بين مكوّناته الوطنية لا فرق فيها بين مسلم وقبطيّ.

وقد لفتني من جملة ما لفَتني في هذا الكتاب تصديره والإشادة فيه من قبل شيخ الأزهر الشيخ الدكتور محمد طنطاوي الذي ركّز على وصية النبي (صلعم) لأتباعه بأقباط مصر وعلى سماحة الإسلام في معاملة أهل الكتاب مما يدعو إلى توطيد العلاقات التي تزيد من نعمة الأخوة الصادقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، كما جاء في تصدير الإمام الأكبر.

إنه كتاب يقارب العلاقة الوثيقة بين المسيحية والإسلام وهي علاقة أكّدت عليها الكتب المقدّسة وبما أن الإسلام قد أعقب المسيحية فقد أعطاها قدرها الكامل واحترامها الأكبر ذلك أن المسيحيين هم أقرب الناس مودة وأن السيدة مريم قد "اصطفاها الله على نساء العالمين."

في هذا الكتاب سجلٌّ موثق لما ورد في الإسلام عن المسيحية ابتداءً من نبوءة الرهبان بنبوية محمد (صلعم) مستعيداً ما ورد في كتب السيرة النبوية من أن أول من تنبّأ بمستقبل الصبي محمد كان هو الراهب البحيري؛ وأن الجد الرابع للنبي هو الذي بنى الكعبة وسقفها بالخشب كما أنه أظهر الحجر الأسود وبنى مساكن مكة ونظم شؤونها ثم تولّى أمر الكعبة. من هنا تكمن العلاقة القوية بين عائلة الرسول والديانة النصرانية منذ عهد قصي سيد قريش وجدّهم الأكبر.

يشير الكتاب في هذا السجل أيضاً إلى أن ورقة وهو إبن عم خديجة كان أول من بارك النبي وأكّد له صدق رسالته. ولما وقف المشركون في وجهه وحاربوه وضيّقت قريش الخناق عليه وعلى من اتّبعه من المسلمين الأوائل واضطّهدتهم، أمر النبي المسلمين المستضعفين في مكة بالهجرة بعيداً عن قريش وطلب منهم الذهاب إلى الحبشة "لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدقٍ. حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه... فكانت هذه أول هجرة في الإسلام" (ص25). كما يشير الكتاب إلى الهجرة الثانية إلى الحبشة أيضاً وقد حاولت قريش هذه المرة استعادة المهاجرين فأرسلت إلى النجاشي الهدايا مع الطلب وقد رفض الملك النصراني الطلب والهدايا وبكى عندما سمع سورة مريم قائلاً: إن هذا القرآن والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة (أي من مصدر واحد) (ص28). هذا فضلاً عن تقدير النبي لهذا الملك الذي أوى إليه المسلمون المضطّهدون فعندما توفّاه الله، أقام النبي صلاة الغائب عن روحه رغم كونه مسيحياً.

ويتابع سجل العلاقات المسيحية الإسلامية في الإشارة إلى العلاقة بين النبي والمقوقس "عظيم القبط" الذي "ظن أن النبي يخرج بالشام وهناك تخرج الأنبياء من قبله فرآه قد خرج من العرب" (ص32). ولكن هذه العلاقة لم تقف عند هذه الحدود بل تجاوزتها أيضاً إلى حياة الرسول العائلية إذ تزوج رسول الإسلام من امرأة مسيحية اسمها مارية القبطية والتي ولدت له ابنه إبراهيم الذي لم يعش كثيراً وعندما توفّيت مارية هذه في عهد عمر بن الخطّاب أقام الخليفة الصلاة عليها كما كان بشّر الناس إلى جنازتها بنفسه. كذلك فإن هاجر أم اسماعيل كانت مصرية قبطية أيضاً.

هذا السجل في تناول علاقة النبي العربي الكريم بالمسيحية لم يقف عند حد العلاقات الشخصية        التي كانت تربطه بهم بل تعدّتها أيضاً إلى وضع النصارى خلال الدعوة المحمدية لاسيما واقعة العلاقة بينه وبين نصارى نجران الذين قدموا إلى رسول الله وعندما حانت صلاتهم فقاموا يصلّون في مسجد رسول الله فقال صلى الله عليه وسلّم دعوهم فصلوا إلى المشرق (ص37).

وقد دلّ اللقاء بين الرسول ووفد نصارى نجران على تسامح الرسول واحترامه لحرية العقيدة وليس أدل على ذلك من السماح لهم بالصلاة في مسجده.

لم يقف الكتاب عند حدود هذه الوقائع والأحداث التاريخية بل عرض للدعوة المحمدية في أوجهها الروحانية والهداية والسياسة وصور الإسلام بين العلم والإيمان وعرض لنصوص القرآن وكيف قبل عيسى مسيحاً للمسلمين مدرجاً الألقاب التي وردت لعيسى في القرآن أنه كلمة الله وروح منه وأوجه الشبه لما ورد في الإنجيل (يوحنا) الإصحاح الأول الآية 1 "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله." ومن أهم الألقاب التي عرف فيها عيسى في القرآن الكريم لقب "عبدالله" وهو اللقب الأول للمخلّص الذي تحدث عنه أبناء بني إسرائيل (ص61).

ومن المفارقات بين هذا الكتاب وأخبار التوترات الطائفية في مصر، ما أورده الكتاب عن أهمية القبط في العلاقات الإسلامية المسيحية كون الكنيسة القبطية هي الأولى في العالم وأن النبي أوصى بالقبط خيراً كما أوصى بالنصارى خيراً عندما أبرم معهم ميثاقاً فيه تأكيد على حسن معاملة المسيحيين الأقباط وخاصة الرهبان منهم. وأين الواقع مما ورد في هذا الكتاب والأهم ما ورد في القرآن الكريم تجاه النصارى الذين هم أهل خير ورحمة ومودّة عرفوا الله من قبل ولهم مكانة عظيمة عنده، فهم مؤمنون متعبّدون وساجدون راكعين.

والمفارقة الثانية أن مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة المذكورة في القرآن الكريم أكثر من 28  مرة (ص 105) دون أن نغفل ما ورد أيضاً في سفر التكوين أنها "كانت جميلة كجنة الرب كأرض مصر" (ص85) "واستوصوا بمن جاورتموهم من القبط خيراً" كما ورد نسبه إلى الرسول الكريم. وقد نقل أكثر من حديث عن النبي الكريم أوصى فيها بحسن معاملة الأقباط المصريين "فان لكم منهم صهراً وذمةً" (ص100) وإن جندهم خير أجناد الأرض "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة" (ص102). وقد بلغ من رعاية الإسلام لحرمة أموال وممتلكات النصارى أنه يحترم ما يعدونه حسب دينهم مالاً وإن لم يكن مالاً في نظر المسلمين "كالخمر والخنازير" وهنا أستعيد بالذاكرة تفشّي مرض انفلونزا الخنازير الذي أصاب الخنازير في مصر وأعدمت آلاف منهم تحت حجة مكافحة المرض.

         أورد الكتاب شرحاً مستفيضاً لمعنى أهل الكتاب وأهل الذمة وبين سماحة الإسلام في معاملة أهل الكتاب. يشدد الكتاب على وضع المسلمين حالياً وصورتهم في العالم إزاء أنفسهم وإزاء الغير وصورة الغير إزاءهم مشيراً في هذا السياق إلى اعتقاد البعض أن اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن ونسف المباني وقتل السائحين هي عمليات للجهاد وأن التعرض للمسيحيين كما جرى في نجع حمادي وجرى ويجري لهم في الموصل وفي سائر البلاد الإسلامية يشير إلى الحاجة الكبرى إلى إعادة توضيح المفاهيم وضرورة إبراز الإسلام على أساس كونه كما يتبين من هذا الكتاب ومن سواه دين وسطية واعتدال وإعلاء لشأن العقل وكذلك عقيدة وشريعة وقانون للأفراد والمجتمع وليس كما يستخدمه بعض رجال الدين والرعاع أنه سند الوحشية في معاملة الآخر وسبب شرعي لاقتلاع إخوان لهم في المواطنة. لقد كانت مصر قبل 1919 مؤلفة من جماعة مسلمة وجماعة قبطية، إلا أن أحداث 1919 وما تلاها ليومنا الحاضر قد شكلت المجموعتان جماعة وطنية واحدة على أساس المواطنة وليس على أساس الانتماء الديني. وكم نحن بحاجة في أيامنا هذه إلى إعلاء القيم المشتركة وتقوية مفهوم الدولة المدنية لكي تشكل هذه الدولة الناظم لحياتنا الوطنية بعيداً عن التفرقة الدينية والمذهبية ولكن على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات. إن التمادي في إهمال مظاهر الفتنة الطائفية المتنقلة سيغير وجه هذه المنطقة ودولها التي تختزن مجتمعات متنوعة. لذلك علينا بتضامن الجهود لوقف هذا المسلسل وإعادة وصل ما انقطع وإتاحة الفرصة أمام الديموقراطية كي تغزو مجتمعاتنا لأنها الوحيدة الكفيلة بدرء الفتنة ووأدها. لا شك أننا يجب أن نركز على موضوع درء الفتنة الذي هو خير من جلب المنافع في هذه المرحلة.

إنني أدعو إلى قراءة هذا الكتاب وإلى إدخال أمثاله في المناهج التربوية لأن فيه نفعاً لتعريف الإسلام وشرحاً لموقع المسيحية فيه. وهنا لا بد من طرح موضوع على جانب كبير من الأهمية في العلاقات الإسلامية المسيحية: ما هي مسؤولية المسيحية إذا أتى الإسلام تاريخياً بعدها ذلك أن لا مجال للبحث عن الإسلام فيها كما هو الأمر للمسيحية في الإسلام. ويبقى السؤال إذاً ما هو موقع الإسلام في المسيحية. لنا في ذلك عود.  

كلمة القاضي عباس الحلبي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

في افتتــاح الملتقى العربي الوطني

بعنــوان

مسلمون ومسيحيون معا في مواجهة التحديات

13-12-2004

مدرج دار الأسد للثقافة والفنون-دمشق

بدعوة من مجمع الشيخ احمد كفتارو

_____________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

صاحب الرعاية معالي الدكتور زياد الدين الأيوبي وزير الأوقاف

معالي وزير الثقافة الأستاذ محمود السيد

أصحاب المعالي والسعادة

أصحاب السماحة والفضيلة

أصحاب الغبطة والسيادة

الآباء والمشايخ الأجلاء

الأخ الشيخ صلاح الدين كفتارو

أيها الإخوة والأخوات

 

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

        انه ليسعدني أن تتاح لي فرصة التحدث باسم الفريق العربي للحوار الإسلامي – المسيحي في افتتاح ندوة " مسلمون ومسيحيون معا في مواجهة التحديات " التي دعا إليها مجمع الشيخ احمد كفتارو في دمشق 0

 

تكتسب هذه الندوة أهميتها من أمرين اثنين:

 

-           اولهما الجهة الداعية، وهنا استذكر المرحوم سماحة العلامة الشيخ احمد كفتارو المفتي العام للديار السورية الذي أسس هذا المجمع بما فيه من مؤسسات ترعى جيلا جديدا من العرب والمسلمين،  والذي أولى الحوار الإسلامي المسيحي أهمية بالغة في حياته وترك بعد رحيله إرثا نابضا بقيم الإيمان والرحمة والتسامح 0 رحمه الله وإنني لعلى ثقة ان خلفه الصديق والأخ الكريم الشيخ صلاح الدين كفتارو وإخوانه سيتابعون هذه المسيرة بالعزم نفسه والإرادة نفسها0 وفقهم الله 0

 

-           الأمر الثاني يتمثل بانعقاد هذه الندوة في دمشق، في سوريا هذا البلد العربي المفعم بمشاعر الإخوة والتسامح والتضامن 0 فتحية لسوريا ولشعبها وقائدها 0

 

أيها الإخوة والأخوات

 

        حسنا حدد مجمع الشيخ احمد كفتارو عنوانا لهذا الملتقى العربي الوطني " مسلمون ومسيحيون معا بمواجهة التحديات " وإنني اهنىء المنظمين على اختيارهم هذا العنوان في مرحلة دقيقة كالتي نعيشها حيث أن المسلمين والمسيحيين العرب في موقع واحد من مواجهة الضغوط والمعاناة، ولكنهم للأسف ليسوا في موقع واحد بالنسبة لصورتهم تجاه الآخر 0 فصورة المسلم في أيامنا هذه هي غالباً صورة المتطرف الذي لم يترك له صديقا لا في منطقته ولا في العالم على اعتبار أنه في صراع مع مواطنه المسلم المعتدل ومع المسلم الذي لا يشاركه الإيمان، وتجاه الآخر هو في صراع مع العديد من الحضارات والشعوب ليس في الغرب وحده ولكن في الشرق أيضا 0 والمسيحي صورته تجاه مواطنه المسلم مرتبطة بالنظرة إلى العدوان الذي يشن على بلاد العرب والمسلمين من قبل من استخدموا زوراً الشعائر المسيحية والرموز الدينية في الغرب للهجمة على شعوب هذه المنطقة حتى ليخيل أن هذه الهجمة هي هجمة دين على آخر بدعوى محاربةالإرهاب.

 

          ونكون كمن يخفي الحقيقة إذا لم نجاهر بالقول صراحة أن واقع العلاقات الإسلامية المسيحية مأزوم وان هذا التأزم يعزز أشكالا من التطرف لايمكن إلا ان تسيء إلى هذه العلاقات وان ارض الديانات السماوية التي عوض ان تكون واحة سلام تشهد منذ عشرات السنين توترا  وعنفا ودمارا على الصعيدين المادي والمعنوي 0

 

        فهذه فلسطين محتلة، حيث تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في تهديم ما تبقى من عناصر أي كيان فلسطيني محتمل، وها هي آلة الحرب الاميركية تمعن بتدمير العراق ونهب إمكانياته وثرواته وتقوم بما يماثل الممارسات الإسرائيلية نفسها 0 وكأن ّ الوضع الميداني لا يكفي حتى يُستكمل بمشاريع تحاك لهذه المنطقة من السوق الشرق الأوسطية إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى ممارسة الضغوط والتهديدات على إيران واعتبارها من دول " محور الشر " وعلى سوريا ببدء تنفيذ العقوبات عليها والسعي لمحاصرتها ضمن إطار ما يسمى"قانون محاسبة سوريا" 0

         لا اخفي عليكم ان الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي قد عقد ندوة في القاهرة تحت نفس الموضوع في كانون الأول 2002 ليقينه بأهمية هذا الموضوع وضرورة توفير الفرصة لبحثه بعمق تمهيدا لتشخيص المشكلة القائمة وتحديد سبل مواجهتها 0

 

        وإذا كان هاجس الخوف لدى المسيحيين شكل لتاريخه واقعا ً مأزوما ً داخل الصف المسيحي فإن القيادات المسيحية في وعيها لخطورة تمادي هذا الشعور على الوجود المسيحي في الشرق اعترفت بالمصاعب الكثيرة التي يواجهها المؤمنون، إلا أن هذه المصاعب يجب ألا تؤدي إلى الهروب والتقوقع أو الانعزال أو الذوبان ولنا في ما يجري من هجرة للمسيحيين في فلسطين والقدس ولبنان والعراق وبعض الأقطار العربية الأخرى مثالا ً صارخاًً.

 

        وهذا يعني أن ّ المسلمين ليسوا بخير طالما أن شركاءهم ليسوا في واقع مريح  0 فالمعتدلون من المسلمين يعانون مشاعر التهميش إذ أنهم واقعون بين مطرقة  التطرف الأصولي الديني الإسلامي والعدوان الاميركي على القيم الإسلامية السمحة من جهة وسدان بعض الأنظمة القامعة للفكر الآخر من جهة ثانية.

 

        إن رسم صورة إشكاليات العلاقات الإسلامية المسيحية على مستوى الوطن العربي يحفزنا على العودة إلى الميثاق العربي الإسلامي المسيحي وللعيش الواحد الصادر عن الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي الذي حدد معاني هذه العلاقات وهواجسها وإني أستعيــد فــي ما يلــي بعضـــا ً منهــــا:

 

-إن ّ المسلمين والمسيحيين:

. لديهم إيمان ثابت بالعيش الواحد في مجتمع تسوده الحرية والتكافؤ والمساواة في حقوق المواطنة 0

 

. مدركون وجوب تحالف أهل الإيمان لأداء الواجب الذي يمليه عليهم اعتقادهم الديني نحو وطنهم العربي وبالإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الشعور بالانتماء إلى وطن واحد يتسّع لأبنائه جميعا على اختلاف ولاءاتهم الدينية ويتجاوز بهم العصبية الطائفية والعرقية0

 

. يسعون إلى دفع الالتباس بين التدين الصحيح والغلو المذموم الذي يؤدي إلى العنف والتطرف.

 

-إن ّ العمل من أجل توطيد العيش الواحد ضرورة تمليها الهموم والأهداف الوطنية والاجتماعية الواحدة والسياق التاريخي والحضاري الواحد ووحدة المصير 0

 

-إن ّ تعزيز الوحدة الوطنية في وجه التدخلات الخارجية ومشاريع الهيمنة على الوطن العربي همٌ مشترك ،  يجتمع حوله المسلمون والمسيحيون 0

 

-إن ّ الحوار بين المسلمين والمسيحيين يجب أن يؤسس على معالجة جذور التوترات الدينية والطائفية وأسبابها.

 

فإذا كانت هذه هي الجوامع المشتركة ،  أين تقف الهواجس والمخاوف لإرســاء علاقات إسلامية مسيحية صحيحة ؟

 

         وبالفعل، يبرز الهاجس الأول بأن ّ العنف يلازم التدين وهي حالة تسهم في إنتاج جملة من الظروف والشروط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية العامة بحيث يخرج الفهم الخاطىء للتدين عن حد الاعتدال إلى صور من السلوك لا يقبلها التدين الصحيح والقيم الدينية الحقة 0

 

        تنطلق المخاوف من أخطار منطق الحروب الدامية بين الإسلام والمسيحية في العالم وهو المنطق الذي يتأسس على فكرة صراع الحضارات وعلى تخفي مشروع الهيمنة الغربية وراء قناع ديني.

 

        إن ّ عدم احترام الخصوصيات الثقافية والدينية وسوء إدارة التنوع في المجتمعات العربية وقصور مؤسسات المجتمع المدني يؤدي إلى المزيد من اعتبار المشاركة في المؤسسات العامة مؤسسا ً على الطائفية، الأمر الذي من شأنه زعزعة الوحدة الوطنية وفتح أبواب التدخل الأجنبي وإعاقة التطور الديمقراطي 0

        إن ّ هذا الجو من التراجع في ثقافة المعرفة المتبادلة والتعارف وتنامي الخطاب الديني السجالي والتجريحي والتحريضي وتصاعد العنف اللفظي والرمزي، كل ذلك يؤدي إلى المزيد من التوتر في العلاقات الإسلامية المسيحية0

 

        إزاء هذه الصورة، هل نقف مكتوفي الأيدي وهل نكتفي بالتشخيص،  وهل هناك غياب في مواجهة هذه المخاوف والهواجس؟

 

        لعلنا مدعوون إلى إعادة الاعتبار للفكر والابتعاد عن الأساليب المتحجرة التي توسلناها طويلا في الفترة الماضية، وإعادة تنظيم أولوياتنا والابتعاد عن الخطاب الخشبي الذي يرضينا ،  إلى إعادة الانفتاح داخليا وخارجيا بتعزيز دور المجتمع المدني وسلوك طريق الديمقراطية وآلياتها 0      ولا أخال أن العلاقات الإسلامية المسيحية في عالمنا العربي بمنأى عن المواجهات الجارية في العالم ومن حولنا خصوصاً. من هذا المنطلــق، يجدر بنا أيضاً التفكير تمهيداً لإرساء العلاقـات الإسلامية-المسيحية على قواعد صلبة، بدراسة أثر تنامي التيارات المتطرفة على العلاقــات الإسلامية-الإسلامية لدرء الفتنة الداخلية، وهو موضوع تكبر أهميته في ظلّ الأوضاع السائدة التي تبرر التدخلات الغربية وتتيح لها المناداة بإصلاح الأوضاع العربية والإسلامية. وليس طبيعياً أن نقف نحن ضد هذا الإصلاح في المبدأ وهو أكثر ما نحتاجه لمجرد أن الدعوة إليه تأتي من الغرب في هجمته على منطقتنا. لربما لو أُتيحَ لشعبنا التعبير عن نفسه بحرية طيلة عقود من الزمن لكان أرسى هو آليات التطوير والتغيير وفق منظور مصلحته الذاتية دون أن يكون مرغماً عليها.

        إننا ندعو على هذا المنبر أهل الرأي والقرار لحسن رصد الإشارات الدولية- ولنا بصيص أمل في ذلك انطلاقاً من تجربة الآونة الأخيرة- بغية قطع الطريق على المبررات لتسعير الهجمة علينا واستخدام بعض الشعارات الحقة التي يراد بها الباطل لامتنا ولمجتمعنا 0 إذ ذاك نكون قد استفدنا من تجارب ومحن ومآسي الخمسين السنة الماضية 0 ولعل الإعلام العربي الذي ما يزال يقدم الأخبار الثانوية وربما التافهة أحيانا، على الأخبار المهمة، التي إن أهملنا فهمها تؤثر علينا سلبا، يلعب دوراً غير حميد في هذا الإطار.

 

وليس أولى منكم أيها الأخوة والأخوات في بحث معمق لمثل هذه المواضيع وسواها. ونحن على يقين بأنكم قادرون على تظهير الحلول العملية. فالمسلمون والمسيحيون هم معاً في مواجهة هذه التحديات وليس صحيحا أن الخطر يصيب فئة دون فئة وشريحة دون أخرى:التأزم من الداخل والخطر من الخارج. فلنقف معاً يداً واحدة للدفاع عن وجودنا من هذا المكان النابض بعراقة الماضي ورجاء المستقبل، وقد أثبت التاريخ أننا على ذلك وعلى سواه قادرون.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

Statement of

Judge ABBAS HALABI

in the Workshop: Development of Civil Society, Pluralism and Diversity Management.

Diversity Management in Pluralistic and Multicultural Societies

in Europe and the Arab World

(Vienna – Austria, December 17 – 18, 2008)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Ladies and Gentlemen,

Diversity and Pluralism are no longer restricted to some hot spots or even to some tolerant societies, due to the effects of recent migration resulting from the need of developed countries for an affordable and efficient workforce in order to help manage the economic and industrial boom in North America and Western Europe.

In the dawn of the third millennium, one can hardly find a place, a city, a university or a factory in the world with ethnic homogeneity amongst its staff. Globalization has in fact generated a universal "melting pot" between people from different origins. Such diversity has become indeed a characteristic of western societies, where ethnic minorities are leaving their areas or ghettos and are "invading" schools, universities, public administrations and even politics.

From an Arabic perspective, the pluralism in Europe is built on two perceptions:

The First is Islamophobia (Mixing between Islam and terrorism), currently prevailing in all western societies, and which has been strengthened since September 11 2000 terrorist attacks in the USA.

The Second perception is the ignorance of the West of the realities in the Arab World and in Moslem societies, especially when it comes to dealing with the Middle East's crisis and in particular with the Palestinian cause, still pending and waiting for a solution from more than 60 years now…

I will not talk about pluralism and diversity management in Europe, since my esteemed European colleagues are much more qualified to tackle this topic. My speech will emphasize the Arab World and the Middle Eastern situation.

The Arab World (known as the "Mashreq" or the "Levant" pursuant to the French terminology) has a very rich religious, ethnic and confessional diversity due to its multi secular and complex history. This multiconfessional panorama has led to the fact that usual and regular issues (like local votes or employment in public the administration) seems to be highly conflictual, mainly because the religious communities equilibrium has to be respected in the "Levant" to the extent that they could even spark a war!

 The present conflicts confrontations in Iraq, in Palestine, in Lebanon, in Sudan and other Arab countries are unfortunately indicators of an Arab perception that diversity is no more perceived positively but rather as a cause of segregation and exclusion or annihilation of the others.

Challenges facing the Arab World cannot be separated from the terrorist threat confronting the whole world today, upon the emergence of extremist religious ideas from one part, and the unstable and too often one-sided international policy which deals with Arab issues (especially the Palestinian cause) without equity, from another part.

Consequently, frustration, oppression and congestion resentments have emerged in large portions of Moslem and Arab societies towards the western world.

In addition, Arab frustration has been exasperated by the failure of the Arab national project (the unfulfilled dream of Arab nationalists to unify the Arab World from Iraq to Morocco), due to the loss of Palestine pursuant to the establishment of the State of Israel, the continuation of the Palestinian people's struggle in order to preserve its national identity and the rise of authoritarian political regimes under the pretext of confronting the Zionist and colonialist project in Palestine. Such regimes have deprived their peoples from their fundamental rights to freedom and democracy, under the pretext of a national confrontation.

Lack of these rights and principles from many Arab regimes lexicon and the poverty of a large portion of the population have created the adequate climate and the political background for the rise of radical and extremist forces (under the cover of religious doctrines).

As a result, zeal and extremism have become the major issue facing the Middle Eastern people, since extremism fuels extremism.

Such status threatens the coexistence in this region, where the political is, unfortunately, mixed with the religious, and the cultural with the economic.

This challenge is part of a bigger problem generated by the progress of the means of communication (satellite, Internet…) due to globalization, in a region very rich in natural and human resources.

The progress of the means of communication coupled with the intensification of cultural exchanges and intellectual debates have sparked political, religious, economical and social reforms in the Arab societies, reputed for their conservatism. In my opinion,  more improvements are going to happen in the coming years in some Arab societies, especially regarding the minorities' and women's rights (because Arab and Moslem women can be considered-from a certain perspective- as a minority as well!).

On the other hand, we all know that the Middle East is a patchwork characterized by its rich and old ethnic diversity such as Kurds, Armenians, Turkmens and Berbers and its religious minorities such as Christians, Druzes and Alawis, in addition to a wide diversity within Islam itself with numerous Shi'a minorities representing the majority of the population in some countries, like in Iraq or Bahrain.

Unlike the West who assimilated the question of minorities and dealt "softly" (until now) with this issue, Middle Eastern regimes have always been refractor to a soft coexistence between its ethnic and religious communities. In the Middle East, every newborn baby is tagged at birth as being Christian or Muslim or Jew. Diversity has unfortunately; turn to a source of problems for the Middle East.

Diversity and plurality of societies has become a burden and an intricate issue for many Arab governments. This is why diversity, once mismanaged, induces foreign interference in internal affairs as in Lebanon, Iraq, Bahrain, Sudan, etc.

The issue of diversity has been dealt differently, pursuant to the political system in place and the societies' composition. Certain Arab regimes have struggled to manage pluralism and diversity by instituting a centralized state regime.

The reward of oppression is a political stability (like in Syria, Egypt, Saudi Arabia, etc.), while the "price" of liberalism and freedom is the lack of stability (Like in Lebanon – and in the Palestinian territories).

Due to the lack of time, and to cut short a long story, it is necessary to note for example, another conception of citizenship is prevailing in Egypt, overlapping minorities rights (especially the Christian Copts, who constitutes around 10 percent of the Egyptian population). In addition, all the Arab countries' constitutions have established Islam as the religion of State and the shari'a (the Islamic Law) as the source of legislation, except in Lebanon, where there is a non-written consensus sharing power between Christians and Moslems. (Note that Syria has made a nuance by fixing Islam as the religion of the head of state).

Another solution was provided by Lebanon which constitution considers the Lebanese citizens having a plural identity: as citizens of a state from one part, and as members of religious communities from the other. Citizens enjoy civil and political rights as individuals, but at the same time communities have privileges.

Therefore, a duality of representation exists in Lebanon: The parliament represents the Lebanese as citizens and the Senate, not established, represents religious communities.

***

Ladies and Gentlemen,

It is clear that the Middle Eastern pluralistic and diversified societies are hard to manage. This diversity has lead to multiple wars and clashes along history. This complexity has lead to the following results:

First: Freedoms in general and religious in particular, are limited in the Arab World, except in Lebanon.

Second: Democracy is an alien concept to the Arab World. There is no democratic transition of power in the Middle East (again except in Lebanon) where leaders change because of death or because of a coup d'Etat. In the best case scenarios, power is transmitted to the heirs!

Third: This situation has a direct impact on human and social development (Literacy ratios in the Arab World are among the worst) and notwithstanding the huge natural resources available minorities in the Arab World are still suffering and facing danger, especially the Christian communities in Iraq, Palestine, Egypt and Lebanon.

Fourth: The booming of extremism threatens not only minorities, but also the moderate majority of Muslims, in addition to some "social minorities" like women.

Fifth: Some Muslims view Arab and Oriental Christians as a part of the Western World, bluntly ignoring the fact that they are the autochthones, the original inhabitants of this region.

Thank you for your attention!

مداخلة القاضي عباس الحلبي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

وعضو اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار

في الحلقة البحثية حول

حوار الثقافات

محور الجلسة الثانية: حوار الثقافات لا صدام الحضارات

جامعة سيدة اللويزة – برسا

بالتعاون مع الحركة الاجتماعية اللبنانية

14/1/2009

ـــــــــــــــــــــــــ

 

          أرغب بداية في توجيه التحية إلى جامعة اللويزة ورئيسها الصديق الأب وليد موسى ومدير العلاقات العامة الصديق الأستاذ سهيل مطر وإلى رئيس الحركة الاجتماعية اللبنانية الصديق المهندس جورج مفرج لتنظيمهم هذه الحلقة البحثية حول حوار الثقافات وأشكرهم على إتاحة الفرصة لي للتحدث أمام هذه النخبة الكريمة حول حوار الثقافات لا صدام الحضارات.

 

          هي المرة الثانية في أسابيع قليلة أعتلي فيها منبر هذه الجامعة الرائدة في ميادين العلم والإشعاع الثقافي وقد كان موضوعنا في المرة السابقة بناء الدولة.

 

 

 

 

 

          أيها الإخوة والأخوات،

 

          حوار الثقافات لا صدام الحضارات عنوان كبير لمشهد مأزوم لا يقتصر فقط على تأثير السياسة فيه بمقدار ما يساهم من يفترض فيهم إشاعة المحبة والوئام في النفوس على تسعير الخلاف وتأصيل الفرقة والانقسام.

 

          وإذا كانت بعض السياسات في الخارج، المستندة إلى أطروحات أيديولوجية، قد أدت إلى تحويل أمر طبيعي هو التلاقي والتفاعل بين الثقافات إلى واقع مأزوم فلأننا نحن وقعنا في اللعبة التي حاول الآخرون استدراجنا إليها فانخلط في ذهننا المقدس والبشري والثابت والمتحول كما يقول أدونيس حتى بتنا أسرى تفسيرات ضيقة الأفق تنذر بإزالة الطابع الحضاري المتنور عن هذه المنطقة بما يطيح بالمكتسبات التاريخية في العيش المشترك والذي أنتج ثقافة واحدة بهذا المعنى عنوانها الانفتاح وموضوعها قبول الآخر واحترامه ونتيجتها عيشاً هادئاً ومكاسب مشتركة.

 

          ولعل جوهر المشكلة السياسية في منطقتنا العربية وهو القضية الفلسطينية قد أوجد مناخاً عاماً وبيئة خصبة لتصاعد موجات التطرف والغلو على حساب الوسطية والاعتدال. ولربما غالينا في إكساب الطابع السياسي على المشكلة ونسبة أزمتنا إلى القضية الفلسطينية لنهرب من مواجهة واقعنا الثقافي المتردي نتيجة تراكم الإهمال المتعمد للفكر النقدي وإسباغ القدسية على تصرفات البعض وشخصنة الواقع السياسي والديني.

 

          إنه من المؤسف حقاً أن تتحول منطقتنا التي شهدت ولادة الأديان السماوية الثلاثة إلى بؤرة التوتر الرئيسة في العالم التي تسمح للعنف بالسيطرة والرغبة بإلغاء الآخر سبيلاً لحل الصراعات.

 

          ولعل ما شهدناه بعد أحداث أيلول 2001 من تحميل العرب والمسلمين مسؤولية الإرهاب الدولي بمفارقة رهيبة هي تطوّع إسرائيل لمحاربته وسقوطنا نحن في فخ الاستدراج، أدى إلى تبديل صورة الواقع بالحروب العبثية التي لم تؤدِ إلى أية نتيجة سياسية سوى المزيد من القهر والعذابات.

 

          في ظل هذا الواقع برزت محاولتان لتعزيز فكرة التلاقي والتفاعل والخلاق: الأولى مبادرة الرئيس السيد محمد خاتمي والثانية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. ولعل هاتين المبادرتين اللتين كانت ساحتهما الأمم المتحدة أوحتا بأن العرب والمسلمين نأوا بأنفسهم عن المتطرفين الذين تعاملوا مع الهجمة الغربية لاسيما الأميركية على منطقتنا بالعنف المضاد. إلا أنهما وبالتأكيد جاءتا مقصرتين في السعي إلى تكريس رغبة الانفتاح وإرادة الاعتدال في الثقافة الداخلية والتربية السائدة.

 

          إننا لا يمكن أن نقبل أن تكون أطروحة المتطرفين ممثلة لهذا الشرق المعقد والتي تأخذنا إلى مواجهة إطلاقية وتكفيرية وغير متكافئة مع الغرب. وليس من الجديد القول بأن المواجهة التي استعرت منذ سبع سنوات ونيف هي ليست صداماً للحضارات بمقدار ما هي صدام للجهالات في كلي المعسكرين الشرقي والغربي.

 

          والسؤال المطروح هو كيف نواجه معاً هذا الصدام أو كيف لنا أن نحد من خسائره وارتداداته السلبية عنا. كما أن السؤال الثاني الذي تجب الإجابة عليه هو كيف لنا أن نعزز حوار الثقافات أمناء على تاريخنا في هذه المنطقة.

 

          إزاء هذا المشهد الذي تتصارع فيه قوى التطرف والإرهاب الإسرائيلية حيث تتماهى هذه السياسات على أنها الموقف الرسمي لليهود بالتعاون مع التطرف والإرهاب الرسمي الأميركي في الهجمة على أفغانستان والعراق والمنطقة العربية مبنية على أيديولوجية تتماهى مع المسيحية المتصهينة مقابل فئات إسلامية متطرفة وعنفية تواجه الإرهاب بالإرهاب وتمارسه أيضاً. كيف لنا أن نخرج من هذا الصدام العنيف نحو تأمين المناخ الملائم لتفاعل الثقافات.

 

          كيف لنا أن نعالج إشكالية المعايير المزدوجة مع قضايانا بعد فضيحة السكوت المشبوه عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في غزة. أين هي أوروبا التي تقيم إتحاداً فيما بينها لدول تنادي بالحق والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان؟

 

          أين تقف المنظمة الدولية من العجز على وقف العدوان الذي يودي في كل لحظة بمدنيين بعد أن عجزت على مدى أكثر من ستين سنة عن معالجة قضية عادلة كقضية فلسطين بإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتمكينه من إقامة دولته على الأراضي المحتلّة.

 

          يكفي أن نطرح هذه الإشكاليات لنقول انه إذا كان الحوار مأزوم فلأنه لا يقتصر على ارتدادات السياسات الخارجية على منطقتنا فحسب، بل لعلنا في هذه السياسة نلاحظ ما يجري حتى داخل لبنان من تعطّل لقنوات الحوار و استعادة لغة التهديد والإلغاء وتعميم الشتم والاستباحة بعدما انزلق لبنان من دولة إلى ساحة مما سمح للدويلات بالازدهار و الانتشار.

 

          لقد قلت في نطاق آخر أنّ دعوة فخامة رئيس الجمهورية الحميدة لجعل لبنان مركزاً لحوار الثقافات تستوجب لصحّتها أن يكون اللبنانيون على مستوى هذه الدعوة إذ لا يكفي إبداء الرغبة للحصول على الامتياز بل على اللبنانيين أن يثبتوا أنهم قادرون فيما بينهم على إعادة الاعتبار إلى الحوار فيما بينهم قبل دعوة الآخرين إليه.

 

          أين هي المساحات المشتركة التي لا تزال ناشطة في لبنان. المدارس و الجامعات أصبحت في معظمها ذات ألوان واحدة والمناهج التربوية قاصرة عن تثقيف النشء اللبناني ثقافة قبول الآخر و احترامه و الإعلام الذي يعكس صبحاً و مساءً الخلافات السياسية القائمة على التشهير و السبّ و الإهانة، فأي جيل سيتربّى في لبنان ووفق أيّة قيم؟

 

          إنّ بلد العيش المشترك يفتقد إلى الكثير من المشتركات. فكلّ طائفة قائمة بنطاقها، و المربعات الأمنية تباعد بين اللبنانيين و النظام الطائفي يحبس المواطن من المهد إلى اللحد، و الدولة مشروع، ذلك أنّ هناك قناعة بين اللبنانيين إنها غير موجودة إلاّ لدفع الفواتير. وحالات عدم الاستقرار تستدرج الأموال للزعماء فتحوّلت السياسة بفضلهم من إدارة الخير العام إلى ميدان للأعمال و الفساد و إفساد الناس.

 

          ولكن هل من حلّ آخر غير الحوار؟ لا نكلّ و لا نملّ في القول أنّ البديل هو المواجهة والاحتراب. فلندع إذاً إليه مهما كانت الصعوبات، و على أهل الحوار أن يتحلّوا بالشجاعة والإقدام وأن يسعوا إلى توفير فرص التعارف و التفاعل لأنّ فشل التجربة اللبنانية لا سمح الله سيرتدّ على منطقتنا العربية التي لا مستقبل لها بدون التنوع الثقافي الذي شكّل ميزتها الفريدة وهنا تبرز أهمية الوجود المسيحي       والحرص عليه من المسلمين قبل المسيحيين. فالمزيد من الوعي في صفوف اللبنانيين إلى هذا الواقع الخطير الذي ينذر بسدّ الآفاق الذي بدوره يؤدّي إلى إفراغ لبنان من كفاءاته ويزيد من حدة الهجرة و خطر بقاء لبنان بأيدي القلّة الطائفية المسيطرة بالأدوات الكثيرة التي بين يديها.

 

          إنّ "الحوار الوطني" الجاري تنقصه الجدّية و إلاّ ما معنى التأجيل المتكرر للتصدّي للمشكل الأساس الذي يقوّض أسس الدولة وهو موضوع السلاح و التصرف به في قرارات الحرب و السلم. ما يعوزنا أيها الأخوة و الأخوات يقظة وأول اليقظة وعي الجامعات على نحو جامعتكم أنها ليست فقط لتصدير الشهادات بل لدور وطني جامع على أساس التوعية والبحث. ووعي الطلاب إلى أن المطلوب منهم ليس فقط الحصول على الشهادة وجواز السفر بل أن المطلوب هو وعي القضية الوطنية واعتماد أسلوب الحوار الهادئ والتمرس والاعتياد على الرأي الآخر وعدم اللجوء إلى العنف في التعبير عن الخلاف بل الوسائل السلمية التي تجعل من الحياة الجامعية مركز تفاعل وتلاقي بدل مكان تمترس ومنازعة. 

          أشكركم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

La Resistance Culturelle par le renforcement du dialogue

 

Que signifie résistance culturelle?

 

Presque la plupart des Libanais et même arabe comprennent la résistance comme étant un mot sans signification précise et même avec une connotation qui conduit à la mort, à la misère et à la dérive mais toujours au sacrifice.

 

En effect, le Liban a-t-il besoin de résistance après les guerres que Israël a commis envers notre pays ou à un processus de paix sous l'égide  du Droit International. La même question se pose pour les palestiniens après que Israël a ravagé Gaza et a laissé de milliers de victimes  dont la plupart sont des civils.

 

Résistance au sens militaire, non mais a – t – on  besoin vraiment d'une résistance culturelle?

 

Une question, qui trouve toute  son ampleur avec la propagande menée par des fractions politiques puissantes à la fois sur le plan Libanais et sur le plan arabe.

 

Si résistance signifie une sortie d'une fraction politique de l'encadrement de l'Etat Libanais, nous ne la voulons pas. Si résistance signifie au niveau palestinien un coup d'état à l'autorité palestinienne, les palestiniens n'en veulent plus. Le prix est tellement cher qu'il nous faut reconsidérer les moyens de confrontation avec Israël.

 

Malheureusement on est pris par le piège des propagandes ici et là. Une telle supposition conduit à être traitée de trahison à la cause. Mais quelle cause mérite-t-elle de payer le prix fort du sang des citoyens civils!

 

Par ailleurs, nous sommes invités à réétudier les moyens utilisés jusqu'à nos jours. Au niveau palestinien après 60 ans de la Nakba on est en face d'une nouvelle Nakba. Sur le plan Libanais, est-ce que c'est logique de mettre en péril tout le pays avec les dangers encourus pour un parcelle de territoire Libanais qui n'est pas sûr de faire partie du sol national.

 

La Résistance culturelle cependant prend une autre allure du moment que les Libanais sont invités à résister culturellement pour ne pas tomber dans le piège de la propagande.

Au lieu de construire un Etat, on travaille pour démolir ce qui paraît être semblant d'Etat au profit des Etats confessionnels et spécialement un seul.

 

Comment peut-on sauvegarder l'intérêt national si de fractions politiques favorisent les intérêts d'autrui aux dépens de l'Intérêt national.

 

Comment peut-on arrêter ce business de l'instabilité au profit d'une situation stable, cohérente en vue de la construction d'un Etat qui seul sera garant de l'indépendance et de la souveraineté du pays.

Est-ce que le système politique est-il en mesure de résoudre les conflits interlibanais ou  on a intérêt à chercher d'autres solutions  qui relèvent d'un autre système politique.

 

Est-a que la constitution a les mécanismes de résoudre les conflits politico-confessionnels ou on doit rechercher d'autres solutions.

 

Ces questions comme tant d'autres, devraient avoir des réponses claires fondées sur une entente nationale. Pour y arriver en  est-il d'autres moyens que le dialogue pour réussir à sauvegarder  le pays.

 

La résistance culturelle ne se fait qu'à partir d'un consensus national qui sera fondé sur deux conditions : d'abord la primauté de l'intérêt Libanais ensuite par le non recours aux armes pour résoudre les problèmes internes.

 

Qu'en est-il de la possibilité d'aboutir à un tel consensus et chaque fraction politique est liée par des engagements au-delà des frontières.

Le Liban a connu historiquement une juxtaposition d'intérêts étrangers avec les intérêts confessionnels propre à l'une on l'autre communauté. Mais on n'a jamais eu une situation comme celle dans laquelle nous vivons: les fractions politiques qui ont à leur disposition un arsenal militaire, financier, politique, médiatique et même idéologique. Le Hezbollah n'est pas le seul mais d'autres fractions ont les mêmes capacités sur le plan financier, politique et médiatique.

 

Où est l'intérêt du Liban et surtout où est l'intérêt des Libanais majoritaires qui n'ont pas accès à ces  capacités.

 

Une solution d'ordre militaire n'est pas à envisager du moment qu'il n'y a pas une force neutre qui peut imposer l'ordre à ces libanais tenus par les puissances régionales ou internationales. Et même quel intérêts à imposer une solution par la force. Que reste-t-il du Liban et surtout de la présence chrétienne dans un scenario pareil. Y a-t-il d'autres moyens que de recourir à un dialogue national pour résoudre tous les problèmes d'ordre conflictuel entre les Libanais.

 

Il serait utile de dresser les points conflictuels qui sont:

 

La part octroyée par le système politique à chacune des communautés Libanaises dans la gestion du pouvoir.

 

La place du Liban dans les conflits qui sévissent la région: problème palestinien, confit sunnito-shiite, l'incidence du conflit syro-communauté internationale, Irano – Américain  sur le dossier nucléaire et j'en passe.

 

Le dialogue interreligieux islamo-chrétien et le dialogue intercommunautaire (sunnito-shiite) s'impose. Le dialogue est une nécessité et une chance pour notre pays et pour le monde arabo-musulman.

 

Notre expérience nous a montrés que chrétiens et musulmans partagent avec conviction la même aspiration. Ils sont liés par le désir inébranlable de mener une existence commune au sein d'une société humaine où prévalent la liberté, l'égalité des chances et des droits de citoyenneté. Le groupe arabe pour le dialogue islamo - chrétien estime que l'engagement en faveur de la consolidation des liens de convivialité est une nécessité requise par des préoccupations et des objectifs sociaux et nationaux communs, le même contexte historique et culturel et un destin partagé. Il estime également que les différences religieuses n'altèrent en rien la réalité d'une appartenance commune à la civilisation arabo-musulmane, que chrétiens et musulmans, côte à côte, ont forgé ensemble.

 

Le groupe estime ainsi qu'il est nécessaire de renforcer l'unité nationale pour faire face aux ingérences extérieures et aux projets d'hégémonie sur le monde arabe. En outre, les tensions internes propres au Levant ne facilitent en aucun cas une telle unité, malgré les aspirations de la majorité. De surcroît, la manière dont les ingérences étrangères et les tensions internes, à caractère parfois religieux, s'autoalimentent, ne facilite guère la tâche. Bien souvent, les puissances étrangères manipulent et instrumentalisent, au service de leurs propres intérêts, des mouvements extrémistes locaux à l'origine de tensions internes. A l'inverse, les ingérences extérieures ont un impact direct sur la provocation de tensions internes.

 

Le dialogue interreligieux y trouve sa justification première et y représente une voie vers davantage de lucidité. Il écarte toute confusion entre une saine religiosité et une exagération réprouvée de la foi menant à la violence et à l'extrémisme. Or l'exagération (qui est une forme d'intransigeance intellectuelle émanant d'une vision de soi excluant les autres), et la violence (qui est une déviation du comportement visant à imposer par la force sa propre opinion à celui qui ne la partage pas) ne sont pas inhérentes à la véritable religiosité, et ne la concernant pas. Elles trahissent en vérité un état de déséquilibre alimenté par conditions générales et des circonstances politiques, sociales, économiques et culturelles défavorables ou incompatibles. Dès lors, l'exagération religieuse et la violence se manifestent sous diverses formes, revêtent de nombreux visages et s'expriment à travers des doctrines divergentes.

 

Le dialogue islamo-chrétien naît donc de la prise de conscience du danger que représente l'idée, voire la logique, de « frontières ensanglantées » qui sépareraient Islam et christianisme à travers le monde. Une telle logique se fonde sur l'illusion d'un conflit des civilisations et sur la dissimulation derrière la religion d'un projet d'hégémonie occidentale. Pour y faire face, le dialogue arabe islamo-chrétien entend renforcer sur le plan international une position arabe unifiée, aussi bien musulmane que chrétienne, visant à la défense des affaires arabes communes, en premier lieu desquelles arrive la question de Jérusalem, et sur le plan Libanais à consolider la présence chrétienne en favorisant la citoyenneté.

 

Il revêt en outre une importance accrue au regard de certains phénomènes, facteurs et entraves qui guettent les relations entre musulmans arabes et chrétiens arabes. Ces éléments représentent, selon le groupe de dialogue arabe, un motif supplémentaire incitant au dialogue et à la coopération vu son impact sur les relations entre les libanais.

 

En effet, le non respect dans des particularités culturelles et religieuses, ainsi que la mauvaise gestion de la diversité dans les sociétés arabes, ont conduit, dans des proportions différentes, à un rétrécissement relatif des espaces de mixité, de symbiose, de rencontre et de collaboration entre les musulmans et les chrétiens certains pays arabes, un mal dont souffre aussi la place libanaise.

 

Ce que certains milieux arabes éprouvent en termes de régression dans la culture du vrai savoir et de la reconnaissance mutuelle fondée sur un dialogue serein et sur le contact direct avec les sources fiables, suscite soupçons et appréhensions. D'autant plus quand s'amplifie au rythme de cette régression une violence verbale et symbolique, et que s'accentue un discours religieux empreint de polémique, d'agression et de provocation.

 

Il faut également relever la tendance de certains groupes à projeter et prolonger des conflits ethniques et communautaires de la scène mondiale sur les relations internes entre composantes chrétiennes et musulmanes d'une même entité nationale. Des situations locales sont ainsi souvent décrites et présentées comme le prolongement local d'un prétendu affrontement universel entre l'Islam et le christianisme comme on l'a vu lors de l'invasion d'Achrafieh il y a deux ans.

 

Qu'en est-il à l'heure actuelle ?

La montée des extrémismes alimentés par les problèmes politiques, économiques et sociaux constituent à l'heure actuelle un défi non seulement à la présence chrétienne, mais aussi et surtout à la modération, à la coexistence intercommunautaire, et à la stabilité de ces pays.

 

En outre, le problème arabo-israélien, la question palestinienne, l'occupation de l'Irak et la montée des visées expansionnistes iraniennes posent un véritable obstacle à la paix, à la stabilité et à la coexistence islamo-chrétienne et à l'instabilité d'un pays comme le Liban.

 

Mais ces extrémismes ne sont pas exclusivement islamiques. Ils se manifestent en réaction à d'autres extrémismes qui secouent la région. Il s'agit :

-         d'une part d'un extrémisme chrétien, si j'ose dire évangélique, qui se traduit par une politique étrangère américaine de deux poids et deux mesures que nous espérons changer avec la nouvelle administration.   

-         d'autre part d'un extrémisme juif, Israël persistant à occuper les régions palestiniennes et niant le droit aux Palestiniens de jouir de leur propre Etat, continuant à occuper le Golan et certains parcelles du territoire libanais d'autant plus que des agressions quotidiennes en air et en mer.  

L'expérience nous a montré que tout extrémisme se nourrit d'un extrémisme opposé.

Au sein de la civilisation arabe, l'extrémisme islamique représente un danger non seulement pour les chrétiens, mais également pour toute autre minorité, menaçant même l'Islam modéré.

 

La propagation du discours extrémiste dans le monde arabo-musulman conduit à la montée d'un mal tout aussi dangereux que « l'islamophobie » qui règne dans tout l'Occident.

 

L'ignorance très répandue des réalités de l'Islam alimente en Occident des stéréotypes, considérant les musulmans comme des individus conduits par la violence et l'intolérance, refusant toute idée de modernité. Par ailleurs, aucune distinction n'est faite dans la plupart des cas entre les différentes communautés musulmanes.

 

Dans la conjoncture actuelle, le dialogue islamo-chrétien dans le monde arabe contemporain devient de jour en jour plus difficile. Je dirais même que ce dialogue connaît une véritable crise, sans exagération aucune, alimentée par des problèmes politiques à la fois conjoncturels et structurels. Le monde arabe souffre du manque de liberté, de démocratie et de développement économique et social.

 

Le dialogue continue malgré tout. Dernièrement, notre groupe a travaillé sur un document abordant le respect mutuel entre les religions. La matière de ce texte repose essentiellement sur l'expérience de cette vie commune entre chrétiens et musulmans.

 

Les chrétiens et musulmans sont semblables face aux problèmes d'éducation, de soins et de toute autre préoccupation d'ordre sociale. Ils diffèrent sur le plan du statut personnel.

 

Une grande partie de l'Occident ignore tout ou presque de cette histoire commune qui lie les chrétiens et musulmans. Ignorant ou oubliant que les églises les plus anciennes furent fondées au Levant, l'Occident pense dans sa majorité que la présence chrétienne dans le monde arabe est toute récente. Choqué par l'éradication des chrétiens d'Irak, il ignore que ce pays constitue leur berceau depuis plus de 2000 ans.

 

A l'heure actuelle, la confrontation au sein du monde arabe n'a plus lieu entre chrétiens et musulmans, mais entre chrétiens eux-mêmes, ainsi qu'il en est au Liban, et entre musulmans, notamment entre sunnites et chiites. La rivalité de ces deux branches musulmanes prend les dimensions d'un sérieux conflit communautaire, avant tout d'ordre politique. Il émane notamment d'une visée expansionniste et impérialiste iranienne et résonne de ses conséquences jusqu'au Liban.

           

Face à un panorama aussi complexe et délicat, le dialogue interreligieux paraît être bien plus qu'une simple nécessité. Que cesse le dialogue, et la confrontation prospère.

 

Malgré ce contexte difficile, notre travail revêt toute son importance. Le dialogue que nous prêchons est celui de la vie et d'un avenir communs, tout en respectant les différences de chacun. Ainsi je conçois la résistance culturelle.

قراءة في كتاب "المظاهر الثقافية في الديانتين المسيحية و الإسلامية"[1]

القاضي عباس الحلبي[2]

                                                         

 

أوجه التحية إلى اللجنة الوطنية لليونسكو الداعية التي نظمت لقاء حول كتاب "المظاهر الثقافية في الديانتين المسيحية و الإسلامية" الذي وضع فكرته المهندس جوزيف كريدي و تمّ تحت إشرافه و استشارة لجنة كريمة من أهل الفكر و الإيمان و الفضل و إشراف مكتب اليونسكو الإقليمي و كرسي اليونسكو للدراسات الدينية المقارنة، الوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف وتابعته ونسّقته الصديقة د. ريتا أيوب.

 

تحية تقدير إليهم جميعاً و إلى كلّ من ساهم فيه و هم كثر لا يسع المجال لتعدادهم جميعاً فهم كلّهم أهل فضل.

 

          قرأت الكتاب من الغلاف الى الغلاف بنهم الراغب في الإستفادة والساعي إلى قراءته قراءة نقدية وإنني أخالف عادتي التي درجت عليها عندما أدعى إلى مناقشة كتاب هي أن أخوض فيه موضوعاً موضوعاً مستشهداً بنصوص منه محدداً الصفحات في المداخلة أكتفي بأن أبدي على الكتاب جملة ملاحظات وأن أثير نتيجة قراءته جملة إشكاليات ومواضيع.

 

          استوقفني هذا الكتاب كثيراً لأنه في بلد "العيش المشترك" ابتدأنا نرى شيئاً "مشتركاً" إذ كنت من القائلين أنّه خلافاً للاعتقاد السائد فإن لا أشياء كثيرة مشتركة في بلد العيش المشترك.

 

          يزيد في تقديري لهذا الكتاب ولمن وراءه أنّه نجح في الصدور وأصبح بمتناولنا ذلك أنّ محاولات عديدة سابقة ساهمت جزئياً ببعضها لم تسفر عن نتيجة بل ضاعت ربما في متاهات الإهمال أو الأنانية أو محاولة إظهار التفوّق. هنيئاً لنا إذاً به وهو على الرحب والسعة لأنه يسدّ فراغاً كبيراً وحاجة ملحّة.

 

          تكمن أهميته أولاً في أنه إنتاج مشترك ساهم فيه مسيحيون ومسلمون من مختلف المذاهب والطوائف وهذا يعني أنه وضع نتيجة تشاور وتدارس وتفاعل لتحديد الموضوعات وكلّ كتب عن فهمه وإدراكه ووصف المناسبة الدينية وشرح طقسها وعاداتها وتقاليدها ودعمها بالكتابة والصورة. وثانياً بأنه يسدّ فراغاً في معرفة الآخر فاللبنانيون متجاورون ويعيشون حياة مشتركة وكثيراً ما يجهل أحدهم تصرّف الآخر لجهله في إرثه الروحي وعاداته الدينية وتصرفاته الإيمانية. وثالثاً لأنّ الموحدين الدروز أقدموا، و هي سابقة، في إبراز تمايزهم في بعض الطقوس والمناسبات وهم كانوا يتماهون مع إخوانهم المسلمين حتى في الطقوس والمناسبات وهم يعلمون والآخرون يعلمون أنّ فهمهم متمايز ووضعهم مختلف فجاء هذا الكتاب ليثبت واقعاً تتناوله الألسن خفية وقلّة تجرؤ على البوح بمكامن التمايز. و هذا أمر يجب التنويه به و الإشارة إليه علّ ذلك يشكّل إقراراً بأنّ التعدد مصدر غنى وليس سبباً للنقمة و الإنقسام تثبيتاً للآية الكريمة "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً" (سورة الشورى - سورة 42 - آية 8).

          وهو يسدّ فراغاً لأنّه لا المسلم يفهم كيف يتصرّف المسيحيون في يوم الجمعة العظيمة خاصّة وأنّها كثيراً ما تكون جمعتان عظيمتان ولا يفهم المسيحي ولا غير الشيعة تصرّف هؤلاء في عاشوراء هذا إذا أغفلنا احتفال خميس الجسد و البربارة وسوى ذلك من العادات. فهو إذاً ليس كتاباً دينياً بقدر ما هو كتاب يوفر فرصة التعارف بين اللبنانيين. 

 

          إنّه يسدّ فراغاً كبيراً لسيادة الجهل على الكثير من المفاهيم حتى عند معتنقيها فمن باب أولى عند الآخر المختلف الذي ربما ساعده هذا الكتاب بوضوحه و تبويبه و سهولته على فهم شريكه الذي يتقاسم معه الحياة المشتركة عن طريق التعارف وتوفير المعلومات.

 

          وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أمرين مهمّين:

 

          الأوّل أناقة الكتاب و إخراجه الفني و طباعته الفاخرة و تبويبه السهل و وضوح صياغاته و اختصارها إذ أنّ النصوص جانبت الإطالة المملّة و هذا درس للذين يستمرئون التطويل فيضيع الموضوع الأساس و يضيّع على القارئ فرصة الإستفادة و الفهم.

 

          الثاني شمولية المواضيع التي تناولها شكلاً و أساساً حيث لم يبخل في الحديث عن اللباس والزيّ واللحية من جهة، ومن جهة أخرى في إبراز التمايزات حتى داخل أهل الدين الواحد فجاء الكتاب مستوفياً في الأمرين لشروط الإنجاز الفكري و الثقافي المتقدّم.

 

          وقد ساعدت الصور المنتقاة في تعميم فائدة التعارف والتعلّم إذ دعمت هذه الصور النصوص حتى ليسهل لكلّ الفئات العمرية و الطبقات الإجتماعية و النخب والعوام على فهم المقصود و التثقّف المرسوم.

 

          أمّا لماذا الترحيب به واعتباره بشير خير مشترك في بلد العيش المشترك ذلك لأنّ لبنان الذي كان يعيش حياة مشتركة فيها جميع مكتسبات العيش المشترك وقع في فخّ الإحتراب والاقتتال. كيف له عدم الوقوع في الفخّ نفسه وناسه وبشره متباعدون، لا مساحات مشتركة كافية تجمعهم، يغذّي الفرق بينهم سياسيون مالكون لوسائل إعلامية نافذة يخرّب بعضها علاقات الودّ والتجاور ويرسي الجهل عوض التعارف، ويجيز الانقسام على حساب الوحدة والتناقض على حساب التعاضد والضدّ عوض الودّ.

 

          ولكنّ ترحيبي بالكتاب مشروط باستكماله بإعداد كتاب مشترك عن العقائد الدينية بأقلام عارفين وملمّين ومنفتحين لإبراز المشترك وتحديد المختلف على قاعدة الإحترام المتبادل وليس الاستعلاء واعتبار أنّ ديني أفضل من دين غيري ولا يفيدنا كلام البعض التلفيقي لإخفاء الإختلاف على قاعدة المسايرة بغية كسب الودّ بغير صدق أو إبراز مساوئ التمييز على حساب فضائل التمايز.

 

          ولعلّ وضع كتاب مشترك عن العقائد الدينية يستكمل خطوة صدور هذا الكتاب حتى لا يقال أن هذا الكتاب حوّل الدين إلى ثقافة فقط بل أن الدين هو خصوصاً إيمان وتقوى والتزام ووعي. 

 

          ما ينقصنا هو الكثير من نشر الكتب المشتركة وفي إدخالها إلى المناهج التربوية. صحيح أنّ حريّة التعليم مكفولة في الدستور شرط أن تكون تحت سقف القانون. وإحدى مصائبنا أننا لا نحاسب مثيري الفتن والقلاقل ولا الذين يهيّجون العوام في الساحات العامة بإثارة التعصّب الطائفي المقيت وبتصاعد قوى الطوائف على حساب قيام الدولة التي عوض أن تقوى فإنها بتصرّفات الطوائف وتصرفاتنا تهوي إلى المزيد من الحضيض، والطائفية لا زالت تجارة رابحة و عملاً مجزياً في الإنتخابات والتقابل السياسي.

 

          إنني أهنّئ من فكّر وكتب وصاغ وأشرف ونسّق وأخرج ومّول هذا الكتاب وهنا أتوقّف أخيراً بالسؤال لماذا فقط يأتي التمويل لمثل هذه الأمور من الخارج. خاصة أن هذا الخارج لا يبخل على بعض الزعامات والمرجعيات بالأموال التي إما تصرف على المنافع الشخصية أو على إفساد الأتباع والمحاسيب أو لإقامة المشاريع الخاصة التي لا تعود بالنفع إلا لأصحابها أو لتمويل التوتر والشحن والمواجهة في مشاريع سياسية مرتبطة بمصادر التمويل. لا الدولة تعي ولا المؤسسات المحلية ولا المجتمع المدني يوفّر مثل هذه الإمكانيات لأننا لا نعتبر مثل هذه الأمور أولويات بل هي الأولوية التي تفوق ما عداها أهمية فالتربية المدخل والحلّ لكلّ مشاكلنا والكتاب يأتي في وقته حيث بيروت العاصمة العالمية للكتاب هذه السنة، فإنّ كتابنا المحتفى بصدوره هو أوّل غيث الاحتفالات.

 

          هذا النوع من التمويل الآتي على خير التوفيق مرحب به أما ذاك التمويل الهادف إلى شر الخلاف، يجب على الدولة منعه ومحاسبة متلقيه وتطبيق قانون من أين لك هذا.

 

          إنني أدعو الجميع وخاصة المؤسسات التربوية إلى اقتناء هذا الكتاب وإدخاله كمادة تعليمية تثقيفية تسهل سبل التعارف بين اللبنانيين وهو أمر بالغ الأهمية في أيامنا هذه.  

مداخلة القاضي عباس الحلبي

في موضوع: الحوار الإسلامي-المسيحي من منظور الأحداث الراهنة

بدعوة من جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية – بيروت  وفي مركزها

بيروت في 25/02/2009

ـــــــــــــــــــــــــ

 

        "الحوار الإسلامي-المسيحي من منظور الأحداث الراهنة" هو موضوع بحثنا في هذه الأمسية وقد كانت هذه المحاضرة مقررة وتحت العنوان ذاته في 08 أيار 2008 إلا أن ما جرى في تلك الفترة أرجأ المحاضرة قسراً كما أرجأ الأمل بقيام الدولة واستعادة الحياة المشتركة نتيجة الأضرار التي أصابتها جراء الأحداث المذكورة. لكن كلمتي اليوم وإن حملت العنوان تكراراً إلا أنها لا تحمل المضمون عينه خصوصاً وأن أموراً داهمة طرأت في سياق الأحداث والتداعيات التي مررنا بها خلال الأشهر الماضية وهي تعيد طرح مسألة العلاقات الإسلامية-الإسلامية كأولوية على ما عداها. لا يعني ذلك أن العلاقات الإسلامية-المسيحية بخير ولا تستوجب تالياً بحثاً في ضوء الظروف والأحداث الراهنة. لا بل ان انزلاق العلاقات الإسلامية-الإسلامية والعلاقات المسيحية-المسيحية إلى المواجهات العنيفة يحتم علينا التوقف ملياً عند ما آلت إليه هذه العلاقات في ظلّ الشحن الطائفي والتشنج السياسي لا بل أقول التسيّب الأمني والمواجهات في الجامعات والشوارع والساحات والتي أخشى أن تأخذ منحى تصعيدياً كلما اقتربنا من موعد إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة.

 

        أبدأ بطرح إشكالية الحوار كما أراها بعد انقضاء سنوات عديدة على نشاطي الحواري فأسارع إلى القول بأن الحوار الإسلامي – المسيحي مأزوم.

 

الإخوة والاخوات،

بعد هذه المقدمة وبهدف استثارة النقاش ومشاركتكم الحوار اسمحوا لي ايضا ان اطرح عليكم بعض التساؤلات التي تدور في فكري نتيجة الخبرة في العديد من المنتديات الحوارية التي تعمل بلا كلل ولا ملل على صعيد الحوار الاسلامي- المسيحي اللبناني والعربي لا بل العالمي وهي مجموعات تضم نخبة من الشخصيات العربية العاملة في سبيل إرساء وتدعيم الحوار الإسلامي - المسيحي من منطلق وطني لا عقائدي أو ديني خصوصاً الفريق العربي للحوار الإسلامي - المسيحي الذي لي شرف رئاسته: اسمحوا لي ان اطرح السؤال اين نحن الآن؟ والى اين نحن ذاهبون في هذا الحوار؟ وماذا حقق الحوار بعد عشرات السنين من المؤتمرات والمحاضرات واللقاءات؟

 

        قرر فريقنا وسائر المجموعات التي ننتمي إليها منذ الاساس الا يتم التعاطي بالحوار الديني بذاته بدافع إحترام ايمان الآخر المختلف والإقرار بهذا الاختلاف، وفي الاديان السماوية الزاد الكافي لتعابير السلام والسماحة والمحبة. ولكن اين نحن من حوار اتباع الديانات؟ هل يقر الاتباع بهذه المبادئ المكرسة في الكتب. هل نجحنا في تحقيق هذا الحوار وهل نجحنا ايضا في نقل ما يجري داخل غرفنا المغلقة الى عموم الناس.

 

لا مشكلة مبدئياً في الحوار بين النخبة أيها السادة ولكن الحوار بين عموم الناس هل هو ممكن؟ وهل صحيح أن الحوار بين النخبة على خير ما يرام؟ هل نستعمل لغة واحدة داخل صفوفنا ومع الآخر ام أن ثمّة لغتين – أو أكثر - لكل فئة اختصاصها وتوجهها. التحدي الحقيقي يكمن هنا في استعمال لغة واحدة لجماعتنا وللجماعة الاخرى.

 

اسمحوا لي ان اقول نتيجة متابعتي ان الحوار مأزوم كما أسلفت ويجب الاقرار بان ثمّة ازمة في الحوار بين الاديان ومرد ذلك كما في الحالة اللبنانية وفي حالات عربية مماثلة إلى ضعف الدولة المدنية وتنامي العنصر الديني في ادارة الدول والتأثير البالغ في المجتمعات.

 

ومع كل الإقرار بحسن النية ثمة صعوبات تعترض مسار الحوار نتيجة اقتناع البعض بأن ثقافتهم ودينهم افضل من ثقافة الآخر ودينه. هذا فضلا عن عدم المعرفة الحقّة لا بل انعدام أو قصور الجهد من طرف تجاه الآخر بما يؤدي الى سوء الظن وإعاقة مسار الحوار. هذا فضلا عن السياسة اللبنانية التي ما دخلت شيئا الا وافسدته.

 

تلك هي بعض الملاحظات المبدئية التي رأيت من واجبي اثارتها في مـجمعكم الكريم وبذلك أستثير فيكم التعليق وإبداء الآراء.

 

 

 

الإخوة والأخوات،   

        وبالرغم مما قد يبدو أحياناً في المشهد السياسي من إشارات مظلمة لواقع سياسي سلبي وهي أمور لا تحتاج إلى عناء كبير لرصدها وتحديدها إلا أن الواقع قد أفرز أيضاً وعلى مدى الشهور الماضية جملة معطيات إيجابية بارزة على صعيد العلاقات بين الطوائف هي:

- إعادة التواصل بين القيادات الروحية الإسلامية بانعقاد أكثر من قمة روحية كان آخرها القمة التي عقدت في دار الفتوى لإعلان التضامن مع أهلنا في غزة واستنكار العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها، وقد جاءت هذه القمة غداة العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي لم تكن نتائجه الكارثية قد ظهرت بعد ولم تظهر بصورة كافية أهوال المأساة والمعاناة.  

- تهيّب القيادات السنية والشيعية لمخاطر الإنزلاق نحو الفتنة المذهبية وإن كان الجو العام مهيأ لهذه المواجهة بإعادة الإنفتاح والتواصل مشيراً في هذا السياق إلى الخطوات الإيجابية التي اتخذها بعض مسؤولي الفريقين والإنجاز الذي تحقق بإزالة الصور والشعارات واليافطات التي كثيراً ما كانت تؤدي إلى الإشتباكات.

 - المشاورات الجارية لعقد قمة روحية إسلامية-مسيحية تحصّن الوضع الداخلي وإن كان الخلاف في لبنان ليس بين هذه المرجعيات الدينية بل بين المرجعيات السياسية التي غالباً ما يلجأ معظمها إلى تسخير الدين وتوظيفه في الأزقّة السياسية وإلى التعبئة النـزاعية، والأوْلى ربما هو عقد قمة سياسية تجمع بين هذه الزعامات السياسية وفي مجلس النواب تحديداً الذي يشكل المنبر الدائم للحوار الوطني كما أردد دائماً لا بل طاولة الحوار الحقة والدائمة.

 

        إذا كانت هذه المؤشرات التي وصفناها بالإيجابية قد حدثت فالسؤال يبقى مطروحــاً لماذا إذا استمرار هذا التوتر وهذا التصعيد وهذا الخوف من الإنزلاق إلى الحرب بين اللبنانييــن كلما نشب خلاف سياسي أو حادث أمني. ثم أين دور الحوار الإسلامي-المسيحي لا بل الإسلامي-الإسلامي والمسيحي- المسيحي من منظور الأحداث الراهنة؟

 

        لفتني موقفان وإن مضى على صدورهما أشهر عدة إلا أنهما يكتسبان أهمية كبرى في ظل الظروف التي نعيش: الأول صدر عن علماء السنة والثاني عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في تحريم استعمال السلاح لدرء الفتنة بين المسلمين وكذلك تحريم استعمال العنف تجاه أي من اللبنانيين. كما لفتني نجاح مسعى تنظيم لقاء علمائي يجمع بين علماء السنة والشيعة والموحدين الدروز الذي جرى في دار الفتوى تأكيداً على وحدة الموقف ونبذاً للتفرقة والعنف والفتنة وتوجهاً لرجال الدين في اعتماد الكلمة السواء والحث على التضامن وتبريد الأجواء.وهذه النشاطات جاءت قبل أحداث 7 أيار وبالرغم من كل النوايا الطيبة جاءت أحداث هذا النهار المشؤوم. وهنا يطرح السؤال أي فاعلية للمؤسسات الدينية الرسمية في وأد الفتنة وفي إراحة الجو المذهبي المحموم. هذا فضلاً عن المحاولات الدائمة لتنظيم مناسبات تجمع بين بعض علماء الدين المسلمين وبعض رجال الدين المسيحيين كالصلاة المشتركة وتنظيم الإحتفال الوطني حول مريم وبهذه المناسبة أشير إلى الموافقة الرسمية للحكومة اللبنانية على اقتراح اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار على اعتبار عيد البشارة الواقع في 25 آذار عيداً وطنياً يتشارك فيه المسلمون والمسيحيون وكذلك السعي الدائم لتعزيز الإتصالات المتبادلة. وربما هذه الأمور أو ما يوازيها كانت تجري في السابق ولم تكن لتلفت انتباهنا وكانت تبدو عادية. أما اليوم ونتيجة البعد وأحياناً القطيعة فإن اجتماعات مماثلة يجب الإضاءة عليها وتعميمها.

 

        أما أن الحوار مأزوم فلأن أزمته تقع على مستويين: الأول عدم القدرة على نقل البيانات المشتركة الإسلامية – المسيحية إلى حيز التنفيذ وكذلك لأن بعض القائمين على الحوار يحتاجون إلى إعادة تأهيل أو قل لأن بعض رجال الدين ينبغي أن يبتعدوا عن التسييس.

 

        في الموقع الأول أتوقف عند قصور الحوار المسكوني المسيحي – المسيحي عن بلوغ أهدافه في توحيد بعض المفاهيم الدينية وقد مضى على هذا الحوار ما يقارب القرن من الزمن. وعلى صعيد العلاقات الإسلامية – الإسلامية فإن فشل التفريق بين الديني والسياسي يؤجج التوتر بين الفرق الإسلامية وأن كثيراً من المحاولات التي تقوم بها مراجع إسلامية رسمية وغير رسمية لم تنجح في إحداث هذا التفريق حماية من الإنقسام وصيانة للإيمان الواحد. ولا ننسى أثر التصريحات التي تردنا من الخارج ومدى تأثيرها في زيادة حدة الإنقسامات في الداخل كتصاريح الشيخ يوسف القرضاوي والردود التي جرت عليها  من قبل علماء مسلمين سنة وشيعة.  

 

        وفي الموقع الثاني إن قيام بعض رجال الدين بمهمات سياسية ودخولهم في التصريحات اليومية وتحت إغراء الإعلام يشكل عاملاً مساعداً في التوتر القائم ولا يحسب هؤلاء حساب انعكاس مواقفهم على الناس فيوتروهم ويجعلوهم عرضة للتحريض ولارتكاب موجة التطرف إذ يكفي سماع وسائل الإعلام تنقل بعض الخطب والعظات أو الإحتفالات أو بعض برامج الإذاعات الدينية لاستشعار مدى خطورة أقوال رجال الدين على الجو السياسي.  

        يضاف إلى هذا المشهد مشكلة أساسية هي أيضاً استمرار تأثير الخارج على معطيات الداخل. ان تحصين الساحة الداخلية يبقى قاصراً طالما استمرت بعض القوى السياسية في التماهي مع المصالح الخارجية. وإذا كان التاريخ اللبناني حافلاً في ارتباط بعض الطوائف بالخارج للاستقواء به في المعادلة الداخلية إلا أن الجديد هذه المرة وهو أمر مستغرب أن تسعى بعض الطوائف لتحقيق مصالح الخارج حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية. ولعلَّ ما يجب أن يكرس العمل عليه في هذا السياق هو محاولة استعادة التوازن الداخلي وقفل الساحة اللبنانية أمام اللاعبين الخارجيين ولبننة المصلحة الوطنية بتقديمهــا على ما عداها من مصالح تحت شعار لبنان أولاً ولقد شعــرتُ أن هذا الأمر الأخير المحمود مشتـرك بين المرجعيات الروحية الإسلامية-المسيحية وإن ما يعرقل هذا السعي بعض القوى السياسيـة المرتبطة بمصالح الخـارج والتي تحدث بسياساتها أضراراً على الوحدة الوطنية كما تثير حالة من الذعر والخوف والإنكفاء على الذات وبصورة خاصة تؤدي تصرفات بعض السياسيين إلى إثارة هواجس ومخاوف الطوائف.

 

إن الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن معرضة للإهتزاز اليوم بسبب من بعض هذه القوى التي تحاول الاستقواء ببعض الظروف المحلية والإقليمية لتحصيل حصة أكبر في تركيبة السلطة. وهذا الأمر غير جائز إطلاقاً ذلك أن أي زيادة لأي حصة عائدة لإحدى الطوائف ستكون على حساب حقوق طائفة أخرى أو أكثر. وهذا مشروع حرب جديدة بين اللبنانيين لا سمح الله. ثم أن تسييس رجال الدين أمر خطير، ذلك أن مجرد الموقع كافٍ لإثارة الحساسيات المذهبية والطائفية.

 

        إن ما يجري في العراق يؤثر بشكل كبير على المشهد اللبناني وان التغيير الحاصل في تركيبة السلطة في بغداد له تداعيات على سائر بلدان المنطقة. وقد فات هؤلاء أن لبنان لا يستطيع أن يركن إلى الديمقراطية العددية، بل أن ديمقراطيته هي ديمقراطية توافقية بغير المعنى الذي يحاول البعض أن يروجه بحيث ينزع التوافق من فلسفة مبدأ الديموقراطية، بغض النظر عن العدد. وأكثريته نوعية، بحيث لا تستطيع إحدى الطوائف أن تحكم سيطرتها على الطوائف الأخرى بسبب من هذا العدد. كما يفسر ذلك تصاعد المواقف السياسية وإطلاق مواقف التعبئة والشحن المذهبي بغية حث الناس على الإنتخاب وذلك عشية إجراء الانتخابات النيابية التي من حقنا كمواطنين أن نسأل في أية ظروف ستجري هذه الإنتخابات وبعض القوى السياسية تملي على الدولة شروطها ومواقفها.

 

 

        الإخوة والأخوات،

        ليست المشكلة في لبنان دينية، بل هي طائفية تتصل بأحجام الطوائف في صيغة الحكم. لقد خلنا لفترة أن اتفاق الطائف قد أوجد الحلول المنصفة لجميع الطوائف في تركيبة الحكم. إلا أن ما نشهده في أيامنا هذه من محاولــة "الإنقلاب" وفق تسمية بيان بكركي يثير في نفوسنــا القلق. من هنا تكمن ردات الفعل على أساس الشحن المذهبي والطائفي: فأي حوار ممكن طالما أن المصالـح بلغت درجة عالية من التناقـض والإنقسام؟! ولكن أيضاً ما هو البديل إن لم يكن في تعزيز الحوار وتواصله وترجمته فوراً إلى برامج عملية تصب في ترسيخ العيش الواحد ومعالجة جذور التوترات الطائفية وأسبابها.

 

         يبقى أمامنا الدور المغيب للمجتمع المدني اللبناني الذي يتمتع بحيوية كبيرة على ما يظهر يومياً من نشاطات وتحركـات.

 

على المجتمع المدني، وأنتم في جمعية المقاصد وجمعية خريجيها جزء لا يتجزأ منه، أن يبقي قنوات الحوار قائمة بين شرائح المجتمع، إذا كان بعض السياسيين يريدنا ويدفع بنا إلى أن نذهب إلى الفتنة والاحتراب والتقاتل فعلينا ألا نُنْجِح محاولات هذا البعض. كما علينا انتاج مناخ عام يؤدي إلى تنفيس الإحتقانات خاصة ذات الطابع الطائفي والمذهبي المقيت.

 

        الإخوة والأخوات،

        أوليس الدين في كل استعمالاته السياسية والعسكرية سبباً للتوتر وأساساً للتطرف وعاملاً مفجراً للتوترات. لا بل إن إمعان السياسة والسياسيين في استخدام الدين ينزع إلى مناقضة حقوق الإنسان اللبناني ويسمح بتفلت هؤلاء من قيود الرقابة والمحاسبة والمحاكمة. حتى لكأنه يبدو أحياناً أن هناك تواطؤاً بين الدين والسياسة: الدين المغلف بالطائفية والسياسة المرتبطة بكثير من الأحيان بالأزمات الخارجية والتي يستفيد السياسيون منها عبر تحقيق مصالحهم الشخصية كما توفر المجال الرحب للإنتهازية والزبائنية كل ذلك على حساب الدين والسياسة وقيام الدولة.   

 

        كم نحن بحاجة إلى الحوار داخل طوائفنا في سبيل دفع الإلتباس بين التديّن الصحيح والغلو المذموم الذي يؤدي إلى العنف والتطرف. فالغلو وهو تشدد فكري نابع عن رؤية الذات دون سواها والعنف وهو انحراف سلوكي يرمي إلى فرض الرأي بقوة على غير صاحبه لا يتلازمان مع التدين بالضرورة ولا يختصان به، إنما هما حالة تسهم في إنتاجها جملة من الظروف والشروط السياسة والإجتماعية والإقتصادية والثقافية العامة.

 

الحوار هو الذي يبعد شبح الأصوليات ويخفف من التوترات وأساسه احترام الآخر المختلف والاعتراف المتبادل والإقرار بأن التعدد سنة إلهية "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة".(سورة المائدة رقم 5 الآية 48).

 

        إن حفظ التنوع في لبنان هو أساس قيام هذا الوطن الصغير الذي لم يسمَّ عبثاً وطن الرسالة لأن رسالته أكبر من حجمه الجغرافي والبشري.

 

                لبنان ليس بلداً عادياً لأنه قام بالأساس على حفظ الخصوصيات لتشكيلاته المتعددة ثقافياً ودينياً. وهذا مصدر غنى للجميع كما أنه يحول دون تحول هذا الإختلاف مصدراً للخلاف والتنابذ والصراع والإقصاء المتبادل.

 

        ولعل المدخل إلى ذلك هو تحريم استعمال الدين في السياسة. لقد شكلت الأديان ذريعة للحروب في لبنان وإن لم يطرح فيها أمر ديني أساسي. تكمن المشكلة في استغلال السياسة للدين وفي حالتنا اللبنانية ما يعرف بالطائفية السياسية وسوء تطبيق الدستور ومخالفة بنود وثيقة الوفاق الوطني والقوانين والتعبئة الشعبية المذهبية في المناسبات والإحتفالات وتصاعد اللهجة الطائفية في السجال السياسي على ما نراه في أيامنا هذه بدعوى الحفاظ على حقوق الطوائف وأحجامها. وقد جاء اتفاق الدوحة ليقوّض بعض المقومات الأساسية للنظام السياسي كحصر رئيس الجمهورية بحصة صغيرة في تشكيل الحكومة أو اكتساب الأقلية النيابية الثلث المعطل الذي أثبتت التجربة انه ليس لضمان مشاركتها في السلطة بقدر ما هو لرفض تعيين فلان أو تعطيل موازنة بحجج ومزاعم مختلفة. أفليس بعد كل هذه المعاناة ما يستوجب منا العمل لإقامة الدولة المدنية وإبعاد الدين عن إشغاله كل الحيّز العام وحصره في نطاق العلاقة الشخصية بين المؤمن وربه. هذه وجهة نظر والقول بإبقاء الدين مسيطراً على الحياة العامة مسألة فيها نظر كما بينت التجربة.

 

 

 

        الإخوة والأخوات،

نحن مدعوون لعدم اليأس بل إلى المزيد من الجهد والعمل لصون حياتنا المشتركة. لبنان الآن في خضم التحديات الراهنة. وليس كثيراً إن قلنا أن هذا الوطن الصغير يعيش لحظات حرجة في تاريخه تتصل بوجوده وصيغته وسلمه الأهلي. كلنا مدعوون دوماً للتفكر بأحوالنا وعدم القنوط والهجرة والتخلي. ولكن يتوقف علينا السعي إلى استثمار مكتسبات حياتنا المشتركة في سبيل إرساء الآليات التي تؤدي بنا إلى بناء الإنسان اللبناني على أساس المواطنة. وإذا كان لبنان يشكل تحدياً لإسرائيل ومجتمعها الأحادي أي نموذج نقدمه إذا ما بقي التوتر قائماً بين اللبنانيين والعيش المشترك لا يولد إلا الأزمات والمخاطر. وهذا لا يتم إلا عبر السعي في الخروج من أسباب التقاتل والتقابل وإدخال ذهنية جديدة في عقل المواطن اللبناني مسلماً كان أم مسيحياً في بناء أسس المصالحة الوطنية الشاملة وإنجاز خطوات الإصلاح في الحياة المدنية وفي النظام السياسي. ولا يستقيم هذا النظام إلا وفق مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. وبالمناسبة يكاد الدستور اللبناني ينفرد بذكر شرعة حقوق الإنسان كأحد عناصر ميثاقه الوطني. فأين الواقع من النص!! علينا الدفاع عن لبنان بالاعتدال والحوار وبالأساليب الديموقراطية. فالزعماء ليسوا أنصاف آلهة. إنهم زعماء بسبب منا. هم زعماء لأننا نصبناهم علينا. فلا ندعهم يستدرجونا إلى الفتنة. ليس ما يبرر هذه الفتنة أي خلاف بين مسلم ومسيحي أو بين سني وشيعي أو بين شيعي ودرزي ولا شيء يستحق سفك الدماء.  

 

        لا يوجد أي سبب يبرر هذا التناحر. إن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا. فلننطلق بما يجمعنا ونؤسس عليه لمستقبلنا ولنحدد ما يفرقنا. أليس الحوار هو بين المختلفين. فلنتحاور دوماً وتحت كل الظروف حماية لحياتنا الوطنية وضمانة لاستمرارنا في هذا الشرق. علينا بالإعتدال وتزكية المجادلة بالتي هي أحسن وإبراز قيم التدين الروحية والإنسانية والتأكيد على أن الفهم الصحيح للدين يتضمن قبول الآخر المختلف دينياً والعيش معه واحترام قناعته الدينية وخصوصية شعائره وشرائعه. ولكن أيضاً وخصوصاً التركيز على التمايز بين هذه القيم والقيم المجتمعية المدنية التي تؤدي إلى بناء الإنسان وقيام الدولة على أساس المساواة والحرية والعدالة وليس تبرير سوء التصرف السياسي بحجة الدفاع عن مصالح الطائفة!   

 

الإخوة والأخوات،

أتوجه إلى الشباب اللبناني الذي تجمعه المشكلات ويواجه الصعوبات عينها في تحقيق الثقة بوطنهم، حيث يكون لهم فيه فرص العمل وتأسيس المستقبل والعائلات. لعلَّ الجيل الجديد هو الأكثر إنقياداً لبعض القيادات حتى ولو دفعته إلى الاحتراب وهو يعرف، أي الجيل الجديد، ان المعركة لا بد خاسرة وان لا أحد سيربح وان الخاسر الوحيد هو ووطنه فليتوقف هذا الإنقياد الأعمى للزعماء. ولعلَّ من المفيد تحرك الأمهات في إعلاء الصوت برفض الفتنة والاحتراب. كما لنا نحن دور مهم في توعية هؤلاء الشباب المتحمسين لأنهم لا يعرفون مثلنا مآسي الحرب ونتائجها المفجعة ولكنهم جربوا عينات منها، خاصة وأنتم أيها الأخوة والأخوات جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية تمثلون مَعْلماً أساسياً من معالم الساحة السنيّة والوطنية: أدعوكم للعمل بقوة لتفويت فرصة الاحتراب مع إخواننا الشيعة لا سمح الله لأنه على ما يبدو أن المشكلة في المنطقة وليس في لبنان فحسب، ليس الصراع من اجل الديمقراطية بل المواجهة السنية-الشيعية مهما أردنا تجميل الواقع تغذت من خلو المنطقة العربية من مشروع عربي نهضوي فخلت الساحة للمشاريع الإسرائيلية والإيرانية والغربية وحتى التركية على حساب المنطقة العربية.

 

فأولوية الحوار يجب أن تكون إذاً سني-شيعي وهو ما عنيته في مقدمة مداخلتي حول العلاقات الإسلامية-الإسلامية ذلك أن الخطر الداهم يأتي من هذا الباب دون إغفال الأبواب الأخرى والمتصلة بالعلاقات المسيحية-المسيحية، حيث أتت وثيقة الكنيسة المارونية لتضع إطارها مشفوعة بميثاق شرف. وقد نظم إخواننا مؤتمراً حول الحضور المسيحي في لبنان منذ فترة قصيرة وكان لقاؤهم مناسبة للتبصر في حال الضعف الذي بلغها الحضور المسيحي في لبنان. إنها لمسؤولية وطنية تقع على المسلمين أولاً موضوع وقف الضعف المسيحي في التركيبة اللبنانية. وفي الصف الإسلامي إننا مدعوون لعقد أكثر من لقاء لبحث هذا الأمر وأمور أخرى تتصل بإعادة الإحترام في العلاقات الإسلامية - الإسلامية. وحرصنا على هذه الأولوية داخل الساحة الإسلامية لا يقل عن حرصنا على دعوة إخواننا المسيحيين أيضاً لتخفيف التوتر القائم بينهم خاصة في الجامعات وفي الأحياء والمدن لأن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الضعف لهم وبالتالي إلى إضعاف المناعة اللبنانية. وفي هذا السياق قام فريقنا بإصدار وثيقة جديدة حول "الإحترام المتبادل بين أهل الأديان" أرجو أن تعمم وأن يستفاد منها لتحصين العلاقات بين جميع أهل الأديان وداخلها.

 

وإذا كان لي من كلمة أخيرة فإنني أدعو إلى تضافر الجهود من قبلنا جميعاً نحو إرساء مفاهيم واضحة لدى الشباب اللبناني حول الإدراك الجيد لمفهوم الحوار الإسلامي المسيحي لأن هذا الحوار ليس مناسبة إحتفالية يقوم بها كبار السن وليس دعوة رجل الدين إلى التعصب والكراهية وليس ترفاً فكرياً أو مناسبة موسمية.

 

تقضي المسؤولية علينا مساعدة الشباب اللبناني المحمل بذاكرة طائفية يتخللها العنف على ما يراه يومياً من أحداث ومناوشات على الأرض تغذيها خطابات الشحن الطائفي والمذهبي، أو ما يتحصل له على الإنترنت من سوء الموارد الثقافية والفكرية والدينية، مساعدة الشباب اللبناني على التوعية وتقديم نماذج أخرى ناجحة لمساعي الحوار الإسلامي المسيحي. إن هذا العمل ليس ممكناً دون تفعيل عمل مؤسسات المجتمع المدني لتوعية المواطن اللبناني مسيحياً كان أو مسلماً أن يهتم بقضايا تتصل بحاضره ومستقبله كبناء الدولة والمجتمع واستعادة الهوية المشتركة، ولا شك أن للإعلام دوراً مهماً في هذا الصدد.   

 

إزاء هذا المشهد بإيجابياته القليلة وسلبياته الكثيرة هل نيأس ونستسلم؟

فالمؤمن الذي يتطلع يومياً إلى ملاقاة ربه خمس مرات في اليوم لا يستطيع أن يستسلم. مثله مثلكم أيها الأخوة والأخوات، فلنسع إلى جعل لبنان مختبراً للتعايش الحضاري الواعد.  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مداخلة القاضي عباس الحلبي

في الندوة حول

"شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان"

بدعوة من المركز الماروني للتوثيق والأبحاث بالتعاون مع اللجنة المشتركة لكنائس لبنان

05/03/2009

قصر المؤتمرات – ضبيه

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

        قرأت النص بأقسامه الثلاثة: المبادئ وخصوصية لبنان والشرعة، فلم أجد نفسي غريباً عن المضمون. القسم الأول وفيه ثلاثة فصول: الأول يتصل بتحديد السياسة وشرح أبعادها ومراميها وصنفها بأنها فنّ شريف لخدمة الإنسان والخير العام أجد نفسي ومن موقعي الدرزي معنياً به. إلا أنني وجدت نفسي معنياً وأيضاً من موقعي حتى في الفصلين الثاني والثالث أي العلاقة بين الكنيسة والدولة ومشاركة المسيحي في الحياة السياسية.

        في هذين الفصلين بعض الخصوصية المتصلة بالكنيسة. ومن موقعي وأنا من القائلين بضرورة حصر الدين في الحيز الخاص دون الحيز العام أشارك النظرة إلى التمايز الذي ركزت عليه الوثيقة بين الكنيسة والدولة وكذلك الاستقلالية. ولعلّ ذلك يوفّر إمكانية أن تحذو حذو الكنيسة سائر الطوائف بإجراء هذا التمايز وهذه الاستقلالية دون إجراء الخلط بين الحيّزين بما يضرّ بالدين ويسيء إلى الدولة لا بل يعطل قيامها ويؤدي إلى هلاك فكرة العيش المشترك.  

        إنني معني بمشاركة المسيحي في الحياة السياسية لأن حياتنا السياسية لا تستقيم إلا بمشاركة جميع شرائح المجتمع اللبناني المتنوع. ولا أغالي إن قلت أن الحياة السياسية اللبنانية لم تصب بالضرر مثلما أصيبت يوم قررت بعض القوى المسيحية مقاطعة الانتخابات. وأحسب أننا قد عانينا من هذه المقاطعة ما يزيد عن العشر سنوات. أقول هذا القول وأعرف مسبقاً أن النقد في لبنان يأخذ بعداً طائفياً بحيث لا يستطيع من هو ليس من الطائفة توجيه نقد إلى تصرف قام به أفراد من هذه الطائفة.  

        إنني معني أيضاً بالدولة المدنية التي تحاول هذه الشرعة المناداة بها دون العلمنة على الأقل مرحلياً وأظن أن الدستور اللبناني يروم إلى إقامة هذه الدولة المدنية على اعتبار أنه لم يعيّن ديناً للدولة وإن كانت الدولة تؤدي فروض الإجلال لله تعالى وتحترم جميع الأديان وتخصهم بميادين محددة تحت سقف القانون: في الأحوال الشخصية والتربية وحرية المعتقد وسوى ذلك.

        أما لبنان وخصوصيته فإنني منحاز كلياً لهذا النص وقد رأيته منسجماً مع وثيقة الوفاق الوطني في تعداد وتكرار المبادئ العشر الجوهرية في مقدمة الدستور والتي أحسب أن غبطة البطريرك الماروني قد شارك أساساً في وضعها وصوغها. ولعل التأكيد على ميثاق العيش المشترك والصيغة وتقديم النموذج اللبناني إلى العالم كقيمة حضارية ودوره كجسر عبور بين الشرق والغرب والحث على التربية على المواطنية واعتبار هذا النموذج علامة رجاء مرفوعة للجميع وضمانة للأقليات المسيحية في بلدان الشرق الأوسط مما يضفي على لبنان وعلى هذه المنطقة معنى لا شك إذا لم تتوافر يفقد هذا الشرق نكهته ولبنان معنى وجوده. ويأتي انحيازي لهذا النص من موقعي أيضاً كمنتمٍ إلى أقلية وإن كانت لم تبالغ في إظهار شعورها الأقلوي على النحو الذي يظهره المسيحيون على اعتبار أن تاريخنا في هذا المشرق العربي كثيراً ما مَوْضَع الطائفة ضمن الأكثريات وهي لذلك سلكت مسلك الأمان والبقاء والاستمرار والاستثمار.  

        وقد لفتني في الحديث عن إعادة إحياء لبنان والدولة المدنية الديمقراطية إقرار الشرعة الشراكة الوطنية التامة بين المسلمين والمسيحيين. ولا أخال أحداً من اللبنانيين غير هؤلاء المرتبطين أساساً ببعض السياسات الخارجية إلا ويثني على هذه المبادئ التي تحصن الواقع اللبناني وتسعى إلى إقامة الدولة وقفل الساحة وإسقاط منطق الدويلات. وهل يستقيم قيام الدولة بوجود دويلة أو دويلات أو مربعات أو أن يبقى لبنان ساحة مفتوحة لمن يدفع أكثر ولمن يرغب في إيصال الرسائل الإقليمية أو الدولية. لكن السؤال المطروح هل اللبنانيين جميعهم مؤمنون فعلاً بهذه الشراكة الوطنية المتساوية في الحقوق والواجبات التي نصت عليها هذه الشرعة أم أن بعضهم لم يعد يقيم اعتباراً لها وهو يحاول أن يملي على الآخرين موقفه والآراء. 

        وإذا كانت الشرعة قد حددت 31 مادة فيها المبادئ العامة وبعض موادها دخل حتى في تفاصيل تقنية مثل موضوع الانتخاب إلا أنها جاءت مستكملة للأسباب الموجبة ومنسجمة معها، والتي سبق الإشارة إليها في المقدمة.

        وهنا لا بد لي من أن أبدي الملاحظات العامة التالية:

1-             إن اجتماع المسيحيين بالرغم من الفوارق اللاهوتية على وضع شرعة للعمل السياسي وفي النظرة إلى السياسة يعني أن هاجس الحرية لدى اللبنانيين المسيحيين يعلو على ضرورة التمييز بين المدينة الأرضية والمدينة السماوية التي أتت بها تعاليم الكنيسة والرسل.

2-             الشرعة توحي أن اهتمام المسيحيين في تحديد أطر العمل السياسي اللبناني يتصل أيضاً بقاعدة فهم للمسيحية بأنها أيضاً دين الدنيا ودين الآخرة وهي بذلك تتشارك مع الإسلام في هذا المسلك. هل هذا الفهم في محله.

3-             إن المسيحيين الحريصين على دورهم الرائد في لبنان قد أدركوا مرحلة من الوعي الجماعي السياسي بحيث لا يرون حرجاً في إجراء عملية تحول عميقة نحو التدقيق بالأسباب والعوامل التي أدت بهم في لبنان إلى التحول من الجماعة السيدة في النظام السياسي إلى جماعة تطلب المشاركة فيه.

4-             إن المسيحيين مصرون على عدم الانكفاء إلى الشعور الأقلوي المستتبع بفعل إطلاقهم المبادرات ووضع الأدبيات وصياغة الآليات التي تحفظ للكيان اللبناني تألقه الفريد في هذا الشرق العربي الواسع.

5- إن الجماعة المسيحية التي لاحظت تدني مستوى العمل السياسي اللبناني بصورة عامة والمسيحي على وجه خاص تحاول أن تضع سلسلة ضوابط بحيث تعيد إلى السياسة اعتبارها كفن شريف لخدمة الإنسان والخير العام وهي لذلك تلحظ الفارق بين الشرعة كفكر سياسي خلاق وبين الممارسة السياسية لبعض المسيحيين بما يتناقض مع أحكام هذه الشرعة.

6- إن لبنان بالنسبة للمسيحيين ذا هوية متميزة يجب أن تكون في صلبها قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في لبنان والوطن العربي وصون العيش المشترك المسيحي والإسلامي ومبدأ الانفتاح الحضاري وتلاقي الحضارات.

7- وأخيراً إن حفظ الهوية اللبنانية والشخصية المسيحية لا تقوم إلا في نطاق العيش المشترك الإسلامي - المسيحي.           

        لا أظن أن أحداً من اللبنانيين يستطيع أن يأخذ موقفاً معادياً لهذه الشرعة ولكن لا بد من طرح بعض التساؤلات. هل هذه الشرعة ممكنة التطبيق في ضوء الوقائع السياسية التي نعيشها؟ هل هي دعوة موجهة إلى المسيحيين والمسلمين أي إلى عموم اللبنانيين وهي من طرف مسيحي فمن باب أولى أن يعتمدها المسيحيون أولاً! وهل الطبقة السياسية في أيامنا هذه معنية بالسياسة على أنها فن شريف في خدمة الإنسان والخير العام أم أنها فن الممكن في إدارة الصراع بين المنافع والمحاصصة المتضاربة؟ وهي على أي حال لدى غالبية هذه الطبقة حرفة تمكن السياسي من الاستفادة من ظروفها لتحقيق غايات ومآرب شخصية وطائفية. وكم من أفراد الطبقة السياسية المسيحية والإسلامية يستطيعون التقيد بأحكام هذه الشرعة وبعضهم قد ربطوا أنفسهم بالخارج ويستدرجونه للتدخل في الشأن اللبناني لدعم موقفهم سياسياً ومالياً؟ هل هناك رغبة حقيقية لدى بعض السياسيين بإقامة الدولة التي لن تقوم إلا على حساب دويلاتهم. فأين هي مصلحتهم إذاً؟

        إن إقامة الدولة تعني نهاية الإمتيازات ووقف إمدادات المال التي تمكنهم من إفساد الناس وكذلك إلغاء حصرية التمثيل للطوائف فتغلق الدكاكين والمربعات لتقوم الدولة الجامعة. هل يقبلون بهذه الشرعة وهل من مصلحتهم القبول بها؟

        ولكن يزين لي أن كثيراً من مرامي هذه الشرعة يتفق إزاءها المسلمون والمسيحيون معاً.

        وبالفعل،

1-             إن المسلمين اللبنانيين بغالبيتهم يشاطرون المسيحيين ضرورة الحفاظ على لبنان المتنوع والمتعدد حيث الحرية علة وجوده ويدعون شأنهم شأن المسيحيين إلى عروبة متنورة تقبل التعدد ويشكل فيها الإسلام والمسيحية عنصرين مكوِّنَيْن.  

2-             إن خطاب المسلمين في لبنان ليس واحداً إزاء الأمور المصيرية والهواجس الطائفية ولعل الأبرز هو إبداء بعض القوى السياسية الإسلامية اللبنانية تعلقاً صادقاً بلبنان المتنوع رافعة شعار لبنان أولاً وهذا أمر مستجد بدأت طلائعه تسمع في الخطاب السياسي الإسلامي بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري دون التقليل من أهمية رجالات كبار مسلمين طالبوا بذلك منذ الإستقلال. ولكن في الأوساط الإسلامية أيضاً خطاب آخر ينظر إلى مشاريع سياسية ذات طابع ديني مستعيدة طروحات سابقة أنهكت حرية لبنان وعبثت بديمقراطيته وأهلكت التعددية فيه. والمفارقة الغريبة أن الديمقراطية وهامش الحرية في لبنان هما اللذان أعطيا مثل هذه الجماعات حرية الحركة لإثبات وتعزيز وجودها وهي تحاول أن تجر لبنان إلى اعتماد نماذج عربية قهرية وتسلطية دينياً وسياسياً.

        إن فهمنا للعروبة أنها مشروع حضاري لا يرهب الأقليات بل يتسع لها جميعها. وفهمنا للحرية الدينية وللبنان نموذجاً يتشارك فيه المسلمون المعتدلون الذين يبتعدون بمواقفهم عن التبرير السلفي للاستبداد السياسي.

        لكن هذين الأمرين لا يحولان دون طرح تساؤلات أخرى حول موقف بعض المسلمين. هل أن الشريك المسلم يرغب في إجراء الفصل والتمايز بين الدين والدولة ومفاهيمه مختلفة في الحاكمية وإن كانت الشرائح الأوسع من المسلمين اللبنانيين لا تشارك بعض الفئات المتطرفة في اعتماد هذا المبدأ؟ هل المسلمون يشعرون أنهم معنيون بإقامة هذه الدولة المدنية التي ترتكز على عدم الاستقلالية في الشؤون الأرضية ولا يفصلون بين الواجب نحو الدولة والواجب نحو الله؟ على أي حال وإزاء التطور الكبير الحاصل في الموقف الإسلامي تجاه لبنان وتقديم مصلحته على ما عداها يجدر السؤال هل وفر بعض السياسيين المسيحيين للمسلمين هذه الفرصة في التلاقي مع أمور ناضل في سبيلها المسيحيون عشرات السنين وعند تلاقي المسلمين بغالبيتهم مع هذه الطروحات ذهب بعضهم في اتجاهات مغايرة بل خطيرة. 

        من موقعي أحسب أن هذه الشرعة تصلح لجميع اللبنانيين ولو حل محل عنوان التمايز والتعاون بين "الكنيسة والدولة" عنوان آخر يشمل الدين والدولة ومحل "المسيحيون والعمل السياسي" "اللبنانيون والعمل السياسي" مع إدخال بعض التعديلات في النص ذات الطابع الديني المسيحي الصرف مثل " المعمودية" و"طبيعة المسيح الرب المثلثة" ... "القيم الإنجيلية" وغيرها. أما سائر العناوين والمضامين فقد رفعت الشرعة النموذج اللبناني إلى المصاف الذي يستحق مشروطاً برفع اللبناني أداءه إلى مستوى هذا المصاف وفيها برنامج حكم تتوافر مقوماته وجاءت نتيجة الأزمات التي عصفت بالنظام السياسي اللبناني من مثل آليات عدم تعطيل المؤسسات الدستورية وتحييد لبنان وتحقيق اللامركزية الإدارية الموسعة واللاحصرية وتعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية وإصلاحها ومحاربة الفساد وتعزيز مساهمة المرأة والاهتمام باللبنانيين المنتشرين.

        ونحن على عتبة انتخابات نيابية يضمر كثيراً عدد المرشحين إذا صار العمل بما نصت عليه الشرعة "أن يكون المرشح إلى هذه الانتخابات ولاؤه أولاً وآخراً للبنان" و"أن يكون مدركاً قيمة لبنان كوطن مميز بخصوصيته"... و"أن يكون المرشح ذا ماضٍ يثبت في الأقوال والأفعال والمواقف هذا الولاء وهذا الإدراك"... من يبقى من هؤلاء المرشحين في السباق ومن هي الجهة التي تقبل وترفض الترشيح خاصة أولئك الذين كان شرط ترشيحهم عبادة الزعيم بغض النظر عن ولائه وإدراكه لمعنى لبنان. وهؤلاء موجودين في جميع الطوائف وليسوا في طائفة معينة حصراً. لكن أهميتها تكمن ونحن عشية الانتخابات في أنها تشكل مرجعية معنوية للناخب اللبناني علّه يستقي منها معايير حسن الاختيار.

        أيها الإخوة والأخوات،

        أحيي من فكر وشارك وصاغ وحدد مفاهيم هذه الشرعة كما أحيي اجتماعكم ككنائس مسيحية في صوغ أدبيات السياسة في لبنان وأحسب أن هذه الشرعة بأقسامها الثلاث تشكل مدونة سلوك لكل من يروم العمل السياسي مسيحياً كان أم مسلماً ولكن هل لها من مجال وفرصة للتطبيق أم أنها ستكون وثيقة إضافية يهملها السياسيون كما أهملوا اتفاق الطائف وكما البعض أهمل الإرشاد الرسولي والبعض الآخر أعمال المجمع البطريركي وحتى اتفاق الدوحة وسائر المواثيق والعهود فعوض اعتماد سياسية الإعمال تم اعتماد سياسة الإهمال. حيويتكم أيها السادة جديرة بالاحترام والتقدير وأتساءل حبذا لو قام المسلمون ونحن منهم في السعي لإعداد وثائق مماثلة يحتاج إليها لبنان علنا نلاقي بعض تفكير إخواننا المسيحيين لأن لبنان لا يقوم إلا على وفاق جميع اللبنانيين وهذا الوفاق هو الوحيد الذي يمكننا من إقامة الدولة وصون سيادتها وحفظ استقلالها وعبثاً نحاول مشاريع فئوية فإنها لا تقوم ولا تستقيم و قد أعطتنا عبر التاريخ الأمثلة الصارخة في تجربة بعض الطوائف الهيمنة على الآخرين وإعاقة إقامة الدولة فكان نصيبها الفشل والفواجع. هل من أمل في أن ينحاز اللبنانيون إلى هذه الوثيقة أم أن بعضنا ستبقى السياسة بالنسبة إليه بالروح بالدم...

        أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

The speech of Judge Abbas Al Halabi

President of the Arab Working Group for Muslim-Christian Dialogue

 In the conference on the Defense and Security: the Swiss experience

Organized by the Swiss Embassy and Issam Fares Center for Lebanon

Second session: "The organization of the Swiss army"

 

 

 

Ladies and Gentlemen,

 

I would like first to thank the organizers of this conference which highlights the Lebanese defense strategy taking the Swiss defense system as an example.

I would also like to congratulate the organizers who have chosen a topic considered, till yesterday, a "taboo", a controversial and sensitive issue in Lebanon, but it is time now to raise this issue in public as it directly affects the security and safety of the country.

Ladies and Gentlemen, 

I have the honor to moderate this discussion, where we will try together to highlight the subject of defense strategy in all its aspects  to find out which strategy is the most appropriate for Lebanon, should we need one.

Indeed, Lebanon is similar to Switzerland at two levels: 

The first is the influence of the foreign countries:

The foreign ambassadors have played an important role in the course of domestic policy in Switzerland since the sixteenth century till the nineteenth century, and France in particular has been a fixture, similar to the Syrian role in Lebanon, as arbitrator in internal conflicts (Many of Swiss delegation in Paris). But the nineteenth century allowed Switzerland to reduce the influence of its neighbors as to its interior affairs.

The second level of the defense strategy:

 The Swiss model is considered to be a rich experience that Lebanon may benefit from, where the State should protect its borders, and seek to liberate the occupied territories and to monopolize the use of force.

 Switzerland used to have militias and this experience is important to the Lebanese people. 

Switzerland has set up a coalition of regions where each region or canton has maintained its independence, similar to Lebanese communities which are also seeking to maintain their independence, and each canton has its army in Switzerland. 

In 1848, the Swiss federal government has set up a central national army. Each canton has maintained the leadership of its faction, and the high command was at a national level. The national army has controlled the air Force, artillery and armored vehicles and others, these sectors were various sectors of the cantons. This is the Swiss model which might suit a small country against powerful neighbors.

Every citizen in Switzerland between the age of twenty and forty five years has his/her own uniform, weapon and a sealed envelope containing special instructions where he/she should be prepared in the state of war.

Ladies and Gentlemen,

I will not go into details. What I can say is that this model was able to protect Switzerland in three wars against France (1870-1871), Italy (1914 -1918), and Germany (1939 – 1945).

This is with regard to the national army. There is also another model of people army led by the leadership at the national level. 

Ladies and Gentlemen,

I personally had the chance to experience the Swiss model when the Swiss government sponsored- and here I would like to salute his Excellency the Ambassador François Banna- the Lebanese dialogue in its multiple stages, where we have studied the Swiss experience and noted the points of symmetry and the differences between the two regimes.

Hence several questions could be raised regarding this issue that we will try to discuss during this conference. These questions are as follows:

 

First:

 Does Lebanon need a defensive strategy to be part of the policy of the State? How to build a strong State able to protect itself by its own forces? And what prevents that?

It is normal for a State, powerful vis-à-vis the internal community and the outside, to monopolize the use of force. But what are the consequences if the State abandoned these functions?  

Second:

If we assume there is something preventing the State from being strong and capable to protect its own territories and citizens. In such circumstances, is there any suitable defense strategy?

Third:

Regardless of the type of any defense strategy, an important question is raised about the role of the State if any strategic defense system was adopted?

Fourth:

Could the defensive strategy in Switzerland be adopted in Lebanon?

Is it viable? Is it true that the communities in Lebanon are cantons!

And will each of them have its independent army?!

 I am afraid to go further into these questions in order to avoid overlaping others statements of today or to take positions in my capacity of moderator. 

I would like to leave the lecturers discuss the elements of the Swiss defense strategy and express their opinion on the possibility of allying it to Lebanon…

مداخلة القاضي عباس الحلبي

في ندوة ملتقى الفكر المدني للتنمية

بعنوان

"دور المعرفة في بناء حوار الأديان"

عاليه/الرسالة الاجتماعية

8 أيار 2009

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

          العديد من الناس يعتقدون أن حوار الأديان يقوم أساساً على المجاملة وحسن الإيناس وبراعة الكلام. ويكفي للنجاح فيه أن يملك "المحاور" ناصية الخطابة وحسن التعبير كي يصنف على هذا النحو.

 

          واحسب أن منتديات الحوار في أيامنا هذه حافلة بمثل هؤلاء "المحاورين" الذين يعدون بالعشرات ويتولون النصح والإرشاد ويتصدّرون المجالس والتجمّعات ويبتسمون بوجوههم أمام وسائل الإعلام ويخضعون لإغراءات المقابلات ويوحون بأن الحوار بخير وأن لا مشكلة بين الناس ولا بين الأديان.

 

          أميل إلى الاعتقاد وبعد خبرة هذه السنوات أن الحوار يستحق أكثر من هذا التوصيف لقناعتي أن لا حوار إذا لم يسلك سبيل المعرفة وهي على مستويات عدة:

المعرفة الذاتية: وفيها التعرف على القدرات الشخصية فليس العلم وليست المعرفة وليست كمية الخبرة والتجربة هي التي تصبغ هوياتنا وحدها ذلك أن ثمة بعدا آخرا يتصل باستيعاب مدركات العالم من حولنا.

المعرفة الدينية: وهي تتصل بالإيمان الشخصي، فالمحاور المؤمن هو الذي يسعى إلى نجاح الحوار في الوصول إلى مبتغاه وهذه المعرفة تأخذ بعداً أخلاقياً بحيث يشكل الصدق والنزاهة عاملين مؤثرين في تهيئة الأجواء المناسبة لقيام حوار عاقل بين مؤمنين.

المعرفة الثقافية: وعمادها الإلمام بالثقافة الشخصية وبثقافة الآخر المختلف لفهم أبعاد التصرف الشخصي في المناسبات والأعياد بحيث لا يمكن فهمها فهماً عميقاً إن لم تنطلق من المعرفة المسبقة بالإرث الروحي لديني كما ولدين الآخر.

المعرفة: بمعناها الأوسع وبما يتجاوز النطاق الذي سبقت الإشارة إليه ذلك أن الحوار لا يقوم على أساس لاهوتي بمعنى حوار الأديان، بل هو بالأحرى حوار أتباع الأديان الذين يتوسلونه سبيلاً للتركيز على المشتركات والتأسيس عليه لإرساء حالة من التفاهم والسلام والاحترام المتبادل.

 

          لا ينجح الحوار إذا لم يأخذ بعين الاعتبار هواجس الآخر ومخاوفه وإرساء المسعى الجاد لتبديد هذه الهواجس وإزالة المخاوف.

 

          وكم واجهتنا في عملنا الحواري مآزق تتّصل بتجاهل هذه الإشكاليات والقفز فوقها ومحاولة تمييع لا بل تضييع جوهر الاختلاف.

 

          ولا يستقيم الحوار إذا لم ينطلق من الفهم ويمر عبر الصراحة والنزاهة ويؤسس على أساس الندية     والمساواة ويهدف إلى العدل والإقرار بأن التعدد سنّة إلهية وأن التنوّع مصدر غنى وأن الحوار ذو نفس طويل في المجتمعات المتنوعة. فليس هو أجندة تدرج فيها موضوعات تتم معالجتها وتنتهي بانتهاء الاجتماع بل هو مسار أخلاقي وثقافي طويل يُتابع دون كلل أو ملل ويستمر باستمرار الحياة المشتركة القائمة على التنوّع المنتج دوماً وأبداً مشكلات تستوجب حواراً للتخفيف من انعكاساتها على الحياة الواحدة.

 

          ولعل ما يشكو منه الحوار في أيامنا هذه هو الجهل القائم لمعنى الحوار بحيث دخل هذا التعبير سوق المزايدة السياسية حتى ليكاد لا يخلو خطاب سياسي واحد من استعمال هذه الكلمة. فيختلط مفهوم الحوار بمفهوم التفاوض كاختلاط مفهوم التوافقية بسياسة الإملاء. وهذا يتوجب ضرورة إعادة تحديد معاني التعابير والكلمات.

 

          وقد يكون من المحاورين أيضاً من يخلط مفاهيم ومصطلحات بتغييب الحقائق والالتباس في فهمها فيسقط في هدم جسور المسافات وخلق أرضية الحوار الهادف الذي يخلو من الارتجال ويفتقر لروح الصبر ويمتلئ بالضجيج دون نتائج محسوسة.

 

          لعلنا مدركون أن الثقافة والهوية صارتا مشكلتين أساسيتين في عالم اليوم وصار الدين مكوناً جوهرياً في تفسير الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما يحتم القول بأن الحوار مع الآخر أمسى ضرورة ملحّة وقدراً محتوماً.

 

          وإذا ثار الحديث عن فكرة الحوار، فالمقصود بذلك أن تتحول الممارسة العشوائية للحوار إلى ممارسة منظّمة وواعية على ما يقول عضو فريقنا العربي المستشار طارق البشري الذي يضيف عن مقصد الحوار بأنه يمثّل حركة اجتماعية ذات أدوات عديدة للإفصاح عنها ومن تلك الأدوات الندوات والمؤتمرات والبرامج ومطالب وتوجهات الأطراف المتحاورة، ومن ثم فإن الحوار لا يسبق فيه الإعداد التنفيذ كالتصميمات الهندسية وإنما هو عملية تراكمية تتداخل مراحلها وتتجمّع على مدى زماني متطاول نسبياً[1].

 

          إن من شروط نجاح هذه المؤتمرات والندوات أن ترسل إليها نماذج مناسبة تحسن التحدث بلغة الحاضرين فيها وتتقن التوجه إلى العقل الآخر.

 

          وكم من مرة أصبنا بخيبات الأمل لنماذج بعض المسلمين في المؤتمرات المنعقدة في الغرب بحيث لا يدركون ولا يعرفون ولا يحسنون التوجه إلى عقول الغربيين فيبقى الحوار حوار الطرشان لا بل أكثر إساءة إلى القضية التي نسعى لأن نرفع عنها ضرر الغرب. كمثل تعاملنا أحياناً كثيرة في قضية ولا أعدل هي القضية الفلسطينية وعدم قدرتنا على التعبير عن عدالة قضيتنا في المحافل الدولية بما يسهم في شماتة الآخرين بنا بحيث نضيّع جوهر قضيّتنا بأسلوبنا الجاهل وعدم معرفتنا لملفّاتنا وكيفية الدفاع عنها.

 

          وهذا يعيدنا إلى منطلق الحديث عن ضرورة توافر المعرفة في بناء الحوار، إذ لا يوجد تواصل حقيقي مع الآخر إلا عبر الذات وفي الثقة بالنفس دون عداء وفي الإلمام بالأديان المقارنة وأولها معرفة ديننا وارثنا الروحي وثقافتنا التي تنتمي إليها. وهل من مجال لهذه المعرفة ووسيلة سوى الكتاب الذي نحتفل ببيروت عاصمة عالمية له هذه السنة!

 

 

 

          إن الجهل يدعو إلى الانغلاق على الذات ويزيد المخاوف ويغذي التطرف ويتبدل التسامح الديني بالتشدد وفرض الفكر الظلامي مكان الفكر النيّر، كما لا يمكن الانطلاق في موضوع الحوار إلا من خلال عملية استعادة ووعي وتبصّر في الإصلاح وبناء النموذج الحواري.

 

          ويفاقم الجهل إحجام النشء الطالع عن المطالعة التي شكلت إرثاً كبيراً للإنسانية في تحصيل المعارف والاستعاضة عنها بالتسلية وأساليبها. فعوض أن يشكل الإنترنت مجالاً للمزيد من تحصيل المعرفة، استغل من قبل الأكثرية الساحقة من مستعمليها في سبيل تضييع الوقت وقتله دون رقيب ولا حسيب. 

 

          أين نحن من تلك المفاهيم؟ السؤال يحتاج إلى وقفة تشخيصية لمآزق الحوار المأزوم على قاعدة الجهل في أيامنا هذه. لعل الماضي يلقي بثقله علينا ويمنعنا من التطلّع إلى المستقبل والتبصّر بالحاضر.

 

          ولنا في مثل هذه التجمّعات ما يعطينا الأمل، فالإيمان لا يتيح للتشاؤم أن يسود علنا في قابل الأيام نعيد الاعتبار إلى الحوار فيخف التوتر وننعم بمرحلة هادئة تجعل أولادنا والأجيال الشابة تستعيد الإيمان بوطنها وتبقى فيه لتعيد بناءه بعيداً عن العصبية والتقابل.

 

          حقنا أن نحلم وواجبنا أن نعمل. أللهم استجب.

مداخلة القاضي عباس الحلبي

"The Lebanese Society: an ethnic :بموضوع

Cultural and religious mosaic"

" التنوع في المشرق العربي / لبنان نموذجاً"

في الندوة

A new course for Lebanon""

بدعوة من

Tres Culturas Foundation

Seville

27 May 2009

ــــــــــــــــــــــــ

 

        يحفل المشرق العربي بالتنوع الإثني والثقافي والديني والطائفي. ولعل ما نشاهده اليوم في العراق وفلسطين ومصر ولبنان والسودان وسائر الدول العربية من نزاعات واحتراب داخلي في بعضها وحساسيات ومنازعات في بعضها الآخر دليل على أن الشعور العام في هذا المشرق يكمن في أن التنوع لا ينظر إليه على أنه مصدر غنى فقط بل على أنه أيضاً سبب للفرقة ومحاولات النبذ والإلغاء.

 

        تهدف الورقة الحاضرة إلى رسم مشهد التنوع في المشرق العربي بصورة عامة وفي لبنان بصورة خاصة وتقديم النموذج اللبناني ودوره في هذا المشهد الثقافي والسياسي والتاريخي في هذه المنطقة الحافلة بالأحداث.  

 

        إن التحديات التي تواجه شعوب هذه المنطقة لا يمكن عزلها عن الأحداث الكبرى التي تواجه العالم بأسره خاصة بعد تصاعد الأفكار الدينية المتطرفة وتطبيق سياسات دولية في هذه المنطقة تزن بميزانين وتكيل بمكيالين وتنشئ شعوراً بالظلم والاحتقان لدى فئات واسعة من المسلمين والعرب. يضاف إلى ذلك فشل المشروع القومي العربي في مواجهة مشكلة ضياع فلسطين وتأسيس الدولة الإسرائيلية واستمرار المواجهات بين المجموعات الفلسطينية لحفظ هويتها القومية والوطنية وقيام أنظمة سياسية قامعة بحجة مواجهة المشروع الصهيوني والاستيطاني في فلسطين فحرمت هذه الشعوب من حقها في التنمية والحرية والديموقراطية بدعوى تقديم استحقاق المواجهة القومية على حساب حقوق الشعوب بالحياة والديموقراطية.

 

        إن تغييب هذه المبادئ من قاموس عدد من الأنظمة أرسى تربة خصبة لنشوء الأفكار المتطرفة المغلفة بعقائد دينية موتورة. ولعل الغلو والتطرف الآن هما المشكلة الأساسية التي تواجه شعوب هذه المنطقة إذ أن التطرف يولد التطرف وكلاهما يغذيان بعضهما البعض. وهذا شأن يهدد المكتسبات الحقيقية التي كانت سمة بارزة في هذه المنطقة التي يتداخل فيها تاريخياً وحاضراً السياسي بالديني والثقافي بالاقتصادي والاجتماعي بالسياسي.

 

        ولعل هذا التحدي يشكل جزءاً من مشكلة أعم وأشمل أساسها التطور الحاصل في أساليب التواصل والاتصال واجتياح العولمة لمنطقة تزخر بالإمكانيات الاقتصادية والموارد الطبيعية التي يعتمد عليها النظام العالمي في حياته وفي تطوره وكذلك تحدي مواجهة الحداثة بالإصلاحين الديني والسياسي وبالتأكيد تالياً الاقتصادي والاجتماعي.  

 

        في ظل هذا المشهد يحاول لبنان وبصعوبة أن يقدم نفسه كعنصر ضامن للوحدة والتعدد. ذلك أنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من هذه المنطقة ويواجه اليوم مثله مثل سائر العرب والمسلمين أزمة عميقة وهم جميعهم مضطرون للعيش في محيط دولي معقد إلا انه في الوقت نفسه يعطي اهتماما متزايدا لحماية حقوق الأقليات.. فلقد أصبح من الصعب اليوم إن لم يكن من المستحيل استمرار اضطهاد أية أقلية تحت نظر وسمع وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والحريات... وكل حادث مهما كان بسيطاً أو صغيراً سرعان ما يتحول إلى "قضية دولية"... وأحد أشكال الأزمة التي يعيشها العالم العربي - الإسلامي يتمثل في التناقص العددي المستمر للوجود المسيحي في لبنان والشرق الأوسط، ومرده إلى حدود كبيرة الأوضاع الاقتصادية، إلا أن سببه الرئيسي له هو غياب الديموقراطية وانعدام الأمن والأمان بحيث باتت الأقليات تشعر بأنها مهددة يوما بعد يوم في شخصيتها ووجودها، وخصوصا الأقليات المسيحية التي كان وجودها على الدوام عامل استقرار وأمان لبقية الأقليات وكان يعطي للشرق الأوسط نكهة مميزة وخصوصية فعلية...إن إضعاف الوجود المسيحي في الشرق يهدد بإضعاف العروبة كمشروع حضاري قادر على استيعاب الأقليات الإثنية كالأكراد والبربر كما الأقليات الدينية كالمسيحيين والدروز أو العلويين، والتي يشكل الإسلام عنصرا تكوينيا فيها وإنما ليس حصرياً نافيا للعناصر الأخرى من الهوية الخاصة بكل أقلية.. غير أن صعود الأصولية والتطرف الإسلامي لم يعد يعطي ضمانة لهذا المشروع بل هو على العكس يهدده ... إن حركات الهوية الأصولية تحمل في أحشائها طابعا الغائيا للآخر ومنغلقا على الذات مما يهدد بان يزيح عن الخارطة المستقبلية للشرق الأوسط كل الأقليات الدينية والإثنية الأخرى ناهيك عن المسلمين المعتدلين أيضاً. ان الوضع الراهن يطرح إذن ضرورة إعادة تحديد دور وموقع لبنان الذي خلنا لوهلة أن اتفاق الطائف قد حدده باعتباره من جهة عربي الهوية والانتماء وفي الوقت عينه وطناً نهائياً ومن جهة ثانية يقيم علاقات مميزة مع سوريا ومن جهة ثالثة تحكمه في علاقاته مع إسرائيل اتفاقية الهدنة للعام 1949.

 

    وإذا كان المشهد الحاضر في المشرق العربي هو على النحو الذي سبق شرحه باختصار إلا أن الواقع المتنوع في لبنان ليس جديداً بل نشأ منذ بدايات القرن السابع عشر وقبل قيام الدولة اللبنانية المعبرة عن هذا التنوع الغني في تأسيس صيغة العيش المشترك في لبنان وإن وُصمت بعض المراحل من هذا التعايش بالأزمات والمنازعات ذلك أن صيغة العيش المشترك تنتج حساسيات تستوجب معالجة شبه يومية خاصة إذا كان البلد صغيراً وضمن حدود جيوسياسية حافلة بالأحداث والتناقضات.

 

 

وبالفعـــــــــل

        بعض المستشرقين كانوا يرون أنه منذ القرون الوسطى شكلت الشعوب التي استوطنت مناطق جبل لبنان أمة كاملة وليس كما يبدو للبعض ائتلافا لطوائف متفرقة وأحياناً متناحرة.

 

وأخطر ما في هذه التجربة أنها وفرت البيئة الخصبة لنزاع طائفي استغلته القوى الأجنبية ووظفته في سبيل مصالحها. فبينما أتاح الدعم الفرنسي لمحمد علي تهديد مصالح الدولة العثمانية المدعومة من الإنكليز شكل هذا النزاع المحلي بعداً إقليمياً ودولياً بدخول قوى أجنبية كبيرة على الساحة السياسية.

منذ تلك الفترة انقضت فكرتان اساسيتان:

الأولى فكرة لبنان الإمارة العلمانية غير الطائفية.

والثانية تحويل لبنان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي كلما توافرت أسباب هذا الصراع.

هذا فضلاً عن التداعيات التي أصابت العلاقات بين الطوائف اللبنانية فيما بينها.

 

        من الممكن التفكير أن الصراعات الطائفية الداخلية بين الطوائف وحدها ربما لا تكفي لإحداث النتائج السلبية التي أشرت إليها أعلاه، إلا أن هذا الصراع يوفر فرصة تدخل القوى الأجنبية عندما تتوافر لهذه القوى المصالح التي تسعى لحمايتها أو لتحقيقها.

 

        إن حماءة هذا الصراع أودت بفكرة استقلال لبنان الذي وضع منذ ذلك التاريخ تحت الوصاية الدولية. فتعيين حاكم مسيحي غير لبناني على جبل لبنان كان إيذاناً ببدء عهد جديد أرسته سياسة خاطئة فرقت اللبنانيين فرقاً متناحرة فنشأت عن ذلك بيئة ملائمة لكل أنواع التدخل الأجنبي. ولسنا هنا في موقع تقييم السياسات الأجنبية التي لها مبرراتها وأهدافها بقدر ما نسعى في هذا السياق إلى إلقاء الضوء على أن ما يمنع التدخل الأجنبي هو الوحدة اللبنانية الداخلية الكفيلة لوحدها بضمان تحقيق استقلال لبنان وسيادته الكاملة.

 

        وهذه القاعدة هي نفسها في التاريخ ولكنها أيضاً قاعدة ثابتة للحفاظ على استقلال وسيادة لبنان حاضراً ومستقبلاً إذ لا استقلال ولا سيادة بدون وحدة وطنية لبنانية جامعة.

 

        لربما تؤكد الأحداث التي شهدناها أخيراً في لبنان مع التحرك الشعبي والسياسي الموحد باتجاه السيادة والإستقلال في 14 آذار 2005 صحة هذا القول كما أن سياق الأحداث منذ مطلع السبعينات يعيد إلى الأذهان المطبات التي وقع فيها اللبنانيون كما وقعت فيها الطوائف اللبنانية في سياق تسلسل للأحداث يذكر بتسلسل أحداث القرن التاسع عشر.

 

        إن تصارع الطوائف اللبنانية وعدم توحيد رؤيتها في مواجهة قضايا مصيرية داخلية وخارجية أدَّيا إلى توفير بيئة صالحة للانفجار الداخلي المدعوم من قوى خارجية استغلت هذه البيئة بغية تصفية حساباتها وتحقيق سياساتها ومصالحها.

 

        وطالما استمر الصراع الداخلي واشتد التدخل الخارجي لن تستطيع أي طائفة مهما بلغ شأنها وقوتها أن تفرض رأيها على سائر الطوائف كما لا تستطيع أي طائفة أن تمنع التدخل الأجنبي. إن الوحدة الداخلية هي وحدها الكفيلة بتحقيق ذلك. فوقفة 14 آذار جمعت اللبنانيين من كل الطوائف حول علم بلادهم عندما تخلوا كل فيما خصه عن علم حزبه أو طائفته أو زعيمه وأنشدوا جميعهم النشيد الوطني واضعين جانباً أناشيد جميع انتماءاتهم الضيقة طائفية أو حزبية أو شخصية حققوا معجزة استعادة لبنان استقلاله وسيادته وتحريره من أي وجود أجنبي، كما حققت سابقاً هذه الوحدة احتضان المقاومة اللبنانية التي حررت الأرض المحتلة في جنوب لبنان من العدو الإسرائيلي.

 

        ولعل التجارب اللبنانية المتكررة، إن كان في الحقبة التاريخية التي تحدثت عنها أو خلال السنوات القليلة الماضية حتى وقتنا هذا تستوجب منا مراجعة دقيقة لسلوكنا السياسي أفراداً وطوائف ذلك أن المراجعة هي السبيل الوحيد لاستخلاص العبر والاستفادة من دروس وتجارب الماضي للتأسيس لمستقبل واعد دون تكرار الأخطاء والممارسات السابقة التي أودت بنا وبالوطن إلى الأزمات والمحن.

 

        ولعل ما تحقق في انسحاب الجيش السوري من لبنان وتخفيف وطأة إدارة أمور الدولة اللبنانية من خارج الحدود ومحاولة تفشيل فكرة الدولة اللبنانية الواحدة الأقوى من الطوائف والزعماء والسياسات لمصلحة تكريس إقطاعات طائفية جديدة على حساب فكرة الدولة ولمحاولة تغليب فئة على فئة وطائفة على طائفة، وعند الفشل إضعاف الطائفة من الداخل بإحداث الانقسامات وما أكثر أسبابها ومبرراتها، مما يجعل من فكرة وضع قاعدة سلوكية تتحكم بسياسات اللبنانيين طوائف وأفراد بات أمراً ملحاً أول بنودها عدم الإستقواء بالأجنبي على الشريك الوطني كما حدث في تجربة جبل لبنان القديم التي أشرت إليها وعدم قبول الثنائية ولا الثلاثية بين الطوائف بل أن جميع الطوائف اللبنانية متساوية في الحقوق والواجبات وان لا غلبة لطائفة على طائفة أو لفئة على فئة وأخيراً لا آخراً أن ضمان الاستقلال والسيادة هو الوحدة الوطنية الداخلية التي في سبيلها يرخص كل شيء حتى ولو جاء ذلك أحياناً على حساب النظام الديموقراطي وخصوصيته اللبنانية.

 

        ومن المفيد في هذا السياق التأكيد على أمرين:

 

        ضرورة وعي اللبنانيين لمساوئ التطبيقات العشوائية التي تكرس حقوقاً للطوائف حتى على حساب قوة الدولة.

 

        والثاني هو وعي اللبنانيين لأهمية إقامة مشروع الدولة على أسس سليمة وليس فاسدة كتلك المحاولة التي أعقبت إقرار وثيقة الوفاق الوطني وأدت إلى تفشيل مشروع الدولة لمصلحة مشاريع الطوائف والزعماء.

 

        إن لبنان كما يتبين من هذا العرض الموجز قد عاش فترات من التشكيك في صيغته المتنوعة. وقد أثبتت التجربة على مدار هذه السنوات أن هذه الصيغة التي يخيل أحياناً لمتتبع تاريخها وحاضرها أنها هشة وأن لبنان على شفير الانفجار هي مقولة غير واقعية وغير مثبتة في التاريخ. فلبنان أصلب مما يعتقد الكثيرون وأضعف أحياناً مما يتصور المتوهمون. وهذا قدر الصيغ المتنوعة التي غالباً ما تثير الحساسيات. والمهم أن تبقى هذه الحساسيات ضمن إطار الرغبة الأكيدة في العيش معاًُ. وهذا ما أثبته اللبنانيون في توصلهم إلى اتفاق الطائف الذي أنهى حالة الحرب وأرسى قواعد السلم الأهلي وحدد أطر إعادة تأسيس الدولة على قواعد صلبة تأخذ في الاعتبار هواجس ومخاوف الطوائف اللبنانية كافة.

 

        لقد حدث في الفترة الأخيرة أمران بالغا الدلالة:

-   الأول إجبار إسرائيل وهي القوة الأعتى في هذا الشرق على الانسحاب من لبنان دون قيد أو شرط أو اتفاق سلام في العام 2000.

-        الثاني إجبار القوات العربية السورية الانسحاب الكامل من لبنان في نيسان 2005.

 

وإن كنت أضع هذين الحدثين في نفس المستوى من الأهمية للدلالة على أن الصيغة اللبنانية التي أحياناً تبدو مهتزة فإنها تنتج أحداثاً تاريخية مفصلية تعجز عنها دول أكبر وأقوى.

 

        كما صمد لبنان واستطاع أن يستوعب أحداثاً ضخمة كالاغتيالات التي أودت بحياة شخصيات لبنانية بارزة حتى ولو كانت هذه الأحداث قد أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي والأمني كما كان لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية لا يمكن تجاهلها ولما يزال.

 

        ولا شك أن العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 وما نتج عنه من أضرار أصابت البنى التحتية هذا فضلاً عن عمليات القتل والتهجير التي رافقته وارتدادات هذا العدوان على مستوى العلاقات بين القوى السياسية من جهة وصعود لهجة الخطاب السياسي العنيف وانقسام اللبنانيين بين من هو مع ومن هو ضد المقاومة وتصاعد النـزاع السني الشيعي بعد احتلال الوسط التجاري في بيروت الذي لم يتوقف إلا بعد عقد اتفاق الدوحة وتنفيذه بجميع مندرجاته.

 

        إن ثمن الاستقرار في منطقتنا العربية هو قيام سلطة قامعة للحريات كمثل نماذج سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن وسواها وثمن الحرية هو قيام حالة عدم الاستقرار كمثل الوضع اللبناني.

 

        لقد زود لبنان بنظام سياسي لو طبق بنزاهة لكان كفيلاً بحل إشكاليات إدارة التنوع بين المسلمين والمسيحيين. مع الإشارة إلى أن داخل الصف الإسلامي يبرز التناقض السني – الشيعي كعنصر عدم استقرار كبير في هذه المرحلة وهو انعكاس لما يجري من حدة هذا الصراع في المنطقة برمتها.

 

        لقد نظر النظام السياسي إلى اللبناني كمواطن متساوٍ في الحقوق والواجبات ويتمثل هذا المواطن بالمجلس النيابي المنتخب خارج القيد الطائفي. كما نظر النظام إلى الطوائف على اعتبارها تحتاج إلى ضمانات. الحقوق للمواطن والضمانات للطوائف. من هنا أهمية قيام مجلس شيوخ يضمن للطوائف وجودها وحرياتها ويعطيها الضمانات المطلوبة.

 

        إن هذا التمثيل المزدوج لو وضع قيد التنفيذ لكان بالإمكان تقييم صحة هذا النظام قبل البدء بالحديث عن تعديله وتطويره. إذ أنه يخشى في ظل عدم توافر التوافق الدولي والإقليمي والخلاف والصراع الداخلي أن يدفع المسيحيون ثمن هذه التعديلات عن طريق الإطاحة بالمناصفة بينهم وبين المسلمين بغض النظر عن العدد.       

 

        أخلص هذه المقالة بالتأكيد أن على اللبنانيين أن يستفيدوا من دروس الماضي وأن يتوحدوا للحفاظ على صيغة عيشهم الفريدة في لبنان لكي يبقى ممكناً تقديم هذا البلد كنموذج حضاري للعالم ومثالاً للمجتمعات متنوعة الثقافات والمعتقدات.

 

        إن ما يجمع أبناء المنطقة العربية – والمسلمين والمسيحيين عموماً – أكبر وأغنى مما يفرقهم، قيماً وتجارب مشتركة وتطلعات واحدة، فلو قِسنا فترات السلام والتآخي في تاريخهم المشترك، لاستنتجنا بأنها أعظم وأطول من فترات الفتنة والغلو والتطرف. كم أن بناء التاريخ المشترك المقبول من الجميع يسمح بنزع الذرائع التي أدت سابقاً إلى التناحر والتعارض وربما التقاتل. إن الكثير من التوترات والصراعات وحتى الحروب الأهلية التي تقوم في بعض المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف تجد بذورها في السياسة والاقتصاد ومع ذلك يعيد المغرضون أسبابها إلى الفروقات الدينية والطائفية والمذهبية.

 

        إذا اكتسب الحوار بين الأديان ميزة التعارف والتواصل واحترام الآخر كما يجب أن يتسم بالعدل بين المتحاورين ليكون هذا الحوار صادقاً نزيهاً، عندها وعندها فقط يعطل الحوار فتيل كل النزاعات ويمنع حصولها أو يؤخرها على الأقل وإن هي وقعت يؤدي فيحد من أضرارها ومفاعيلها السلبية.

 

            لعلنا في لبنان تعلمنا أن لا بديل عن الحوار لان البديل مدمر ولا أحد يخرج منه منتصراً.

"الطائف ما بين الماضي والمستقبل: مشروع بناء الدولة"

القاضي عباس الحلبي

رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي

ـــــــــــــــــــــ

 

 

  لا نزال نعاني من تداعيات الأزمة السياسية الراهنة التي، إن كان لها من إيجابية تُذكر، ففي كونها طُرحت على السطح ولم يعد شيء خافياً حول جوهرها وما إذا كانت أزمة سياسية أم أزمة مؤسسات وتاليا أزمة نظام سياسي.

 

كيف يمكن لهذا النظام السياسي أن يمتص الخلافات عوض تحويلها إلى أزمات؟

كيف يمكن استيعاب التعددية بما يرضي المكونات الوطنية وجعلها قابلة للانخراط في مشروع الدولة؟

 

          يتحدّث الجميع عن بناء الدولة أو عن مشروع الدولة وهذا يشير إلى أن ثمة قناعة عامة بأن الدولة غير موجودة أو هي في طور الإنشاء المستمر وربّما اللامتناهي.

 

          منذ الاستقلال، والعهود المتتالية تطلق شعار بناء الدولة وبعد ستين سنة على هذا الاستقلال نجد أنفسنا أمام المشكلات عينها التي حالت دون قيام هذه الدولة وإقامة مؤسساتها الدستورية الفاعلة.

 

***

 

          إن القول بأن أحداً من اللبنانيين يستطيع أن يقدم تصوراً أحادياً لمشروع بناء الدولة ينطوي على الكثير من الادعاء. لذلك فإن ما سأعرضه في هذه العجالة مستوحى من جملة أعمال حوارية اشتركت فيها في عزّ الأزمة السياسية التي انتهت أو عُلِّقت مع اتفاق الدوحة، ومن المسار السياسي الذي سلكته الأمور بعد هذا الاتفاق. ولعل الاستنتاج البديهي من الأعمال الحوارية التي ساهمت فيها أن القضايا الخلافية بين اللبنانيين تتصل بالنظام السياسي ويدخل في هذا الإطار موضوعا النظام البرلماني ومفهوم الديمقراطية التوافقية.

 

          وفي ضوء الصيغة التي يمكن الاتفاق عليها يطرح موضوع قانون الانتخاب الدائم ولبنان يستحق أن يكون له قانون انتخاب متّفق عليه ويتضمّن إصلاحات جذرية - وهو ما حصل جزئياً مع إقرار القانون أخيراً – والأمل من كل قانون انتخاب ومن كل عملية انتخابية في أن يؤدي إلى تجديد الطبقة السياسية دورياً. ولكن مع القانون الذي أقر والذي ستجري على أساسه الانتخابات المقبلة هل فعلاً ستؤدي العملية الانتخابية إلى تحقيق هذا الهدف، أي تجديد الطبقة السياسية أم سيبقى مجلس النواب مرهوناً بإرادة خمسة زعماء إذا اتفقوا مصيبة وإذا اختلفوا مصيبة أكبر. 

 

ولا تستقيم الدولة بدون إصلاح قضائي بما يضمن النظام موضوع المساءلة والمحاسبة ووقف الفساد والزبائنية وضمان حقوق المواطن تجاه الدولة والمسؤول.

 

          وإذا كانت هذه الأمور الخلافية تتصل بالبعد الداخلي للأزمة، فإن دور لبنان ما زال يشكل منذ الاستقلال مادة خلافية بين اللبنانيين بالنسبة لموقعه في المنطقة. وتدخل ضمن هذا الإطار علاقات لبنان مع الخارج ولاسيما سوريا وموقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي وكيفية حل إشكالية الوجود الفلسطيني في لبنان، كما يدخل ضمن هذا السياق ما اصطلح على تسميته الاستراتيجية الدفاعية للدولة وللوطن. وإذا كان في الماضي ثمة صراع واحد في المنطقة هو الصراع العربي الإسرائيلي فإن منطقتنا اليوم حافلة بالصراعات المذهبية والإثنية والدولية وعلى لبنان أن يحدد دوره إزاءها جميعها. 

 

          هذه هي جلّ العناوين التي يقف اللبنانيون فيها في مواقع مختلفة ومواقف متقابلة. وهذا يشير إلى جدية الخلافات القائمة بين المكونات الوطنية.

          ولعل اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية أوحت بحل لجميع هذه القضايا الخلافية إلا أن التطبيق حوّل لبنان وكيانه يا للأسف إلى وجهة نظر وإلى حالة مستمرة من عدم الاستقرار.

 

          ومن حق اللبنانيين أن يتساءلوا لماذا يعيشون في حالة مستمرة من عدم الاستقرار ولماذا يطرح عند كل منعطف موضوع وجود الدولة واستمرارها لا بل الصيغة والكيان.

 

          لقد أبرزت الأزمة الأخيرة الحاجة إلى حوار لبناني- لبناني جديد حول النظام السياسي الذي كاد تعطيله أن يهز صيغة العيش المشترك التي يقوم عليها الكيان ولا معنى للبنان دونها.

 

***

         

          المصرح به والمعلن من قبل الفرقاء السياسيين الرئيسيين هو التمسّك باتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً وبمعنى آخر فإن الفرقاء السياسيين الأبرز هم مع الدستور وليست مع تعديله أو تغييره أو تبديله. هذا على الأقل ما هو مصرح به. ولا يغير من واقع الحال بعض المطالبات من هذا الفريق السياسي أو ذاك في نزع صلاحيات أو كسب أخرى في مجال معين ويمكن توصيف ذلك أنه في سبيل السعي إلى كسب سياسي راهن أو مصلحة إنتخابية مقررة. وفي هذا التمسك بالطائف حكمة لديهم وخوف من المجهول. ذلك أن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة والراهنة لا تسمح بما سمحت به مثل هذه الظروف يوم إقرار وثيقة الوفاق الوطني.

 

ومن غير المفيد استعادة الأقوال التي تشير إلى أن الوفاق اللبناني – اللبناني لوحده لا ينتج استقراراً، وتربط هذا الاستقرار بالتهدئة الإقليمية والدولية غير المتوافرة راهناً وغير المتوافرة دائماً وبالضرورة، ولا نحتاج إلى شرح كثير لبيانها وإثباتها.

 

          لكن السؤال الذي يجب طرحه على الأفرقاء اللبنانيين جميعاً يكمن في ما إذا كانوا راضين على ما قدّمه هذا الاتفاق بغية التأسيس للمرحلة المقبلة؟ أم أن أحداً يرغب في تعديل صيغة وتركيبة الحكم على أساس معطيات جديدة يملكها ومن شأنها أن توفر له فرصة السعي لتحقيق مكاسب أو تكريس نقاط قوّته في تركيبة الحكم. وهذا سؤال يوجه تحديداً إلى القوى الشيعية راهناً.

         

          ثم ألا يصيب التعديل تركيبة السلطة في ضوء تصاعد وتيرة الخلاف المذهبي الشيعي – السني وفي ضوء تشتّت المسيحيين وتنازعهم العميق والحاد، ألا يصيب قاعدة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

 

والسؤال الأساسي هنا يجب توجيهه إلى بعض الفئات المسيحية التي عطّلت الدور المسيحي في لعب دور الوصل بين السنة والشيعة عوض انقسامهم، فانقسم المسيحيون أنفسهم فئة مع السنة وفئة مع الشيعة بما ضيّع دورهم التاريخي الحريص على الكيان وهو الدور الذي ناضلوا من أجله عشرات السنوات.

 

          ثم هل تسلِّم القوى السنية، هي الأخرى، بمشاركة الآخرين الفاعلة في السلطة فلا تستعمل الإمكانات الضخمة المتوافرة لها لمزيد من وضع اليد على المفاصل الأساسية في السلطة.

 

          أما الآخرون، والدروز منهم، فأين هم من الأزمة العاصفة؟ هل من مصلحتهم تغليب فئة على أخرى؟ أم الانحياز كلياً لمصلحة قيام الدولة أمانةً لخطّهم التقليدي في الدفاع عن لبنان الكيان والاستقلال.

 

          مثل هذه الأسئلة ضروري طرحها قبل الولوج في أي بحث في النظام السياسي بمعنى الآليات التي يوفّرها هذا النظام، بما يكفل ضمان عمله بصورة سليمة وبحيث تؤدي هذه الآليات إلى حل الأزمات عوض إعادة إنتاجها.

 

***

 

          لا أعتقد أن شيئاً من باطنية القوى السياسية يبقى دون تصريح أو تلميح.

ويستتبع ذلك القول بأن الديمقراطية التوافقية، وأجدني ممّن نظّروا لها منذ ما يزيد عن الخمسة عشر سنة، يجب ألا تؤدي إلى تعطيل النظام البرلماني القائم على قاعدتي الأكثرية والأقلية. والأكثرية والأقلية في مفهوم الديمقراطية القائمة على صيغة العيش المشترك يجب أن تكون عابرة للطوائف والمذاهب لا أن تكون أكثرية من لونٍ واحد حتى ولو تنوّعت بالانتماءات، وكذلك بالنسبة للأقلية.

 

          فما رأيناه في الأزمة الأخيرة أوحى لنا أن الديمقراطية التوافقية أصبحت معطِّلة للنظام البرلماني حيث أصبح لكل طائفة، أو بالأحرى أصبح لكل فئة سياسية قابضة على طائفة، أن تتمتّع بحق الفيتو بما يعطّل عمل السلطات والدولة ويكاد يودي بالوطن.

 

لكن الديمقراطية التوافقية من جهة أخرى يجب أن تتكرّس في مجلس الشيوخ بعد سلوك مسار إلغاء الطائفية السياسية أو الاتفاق على جدول زمني وبرنامج مرحلي لتجاوزها تدريجياً وفي النفوس أولاً.

ولا يستقيم بحث عن المستقبل دون محاولة الإجابة على هذه التساؤلات جميعها وغيرها كثير مما لا يتسع له المجال في هذه المداخلة. وهل أن الدستور الحالي كفيل بحلها وفق الآليات المحددة فيه أم أننا نحتاج إلى إعادة دراسة اقتراحات لتعديله كي يؤمن هذه الآليات التي بدورها تؤمن الاستقرار السياسي.  

 

          أما بشأن موقع لبنان في هذه المنطقة وعلاقاته مع الخارج ومع الموضوع الفلسطيني والاستراتيجية الدفاعية فهذا أيضاً شكّل على مر الزمن جوهر الخلاف الداخلي.

 

          ففي الفترة السابقة لحرب 1975 وقف المسيحيون جبهة واحدة ضد الوجود العسكري الفلسطيني على قاعدة أن قوة لبنان في ضعفه. وفي الفترة عينها وقف التحالف الوطني التقدمي مع الطوائف الإسلامية في جبهة مقابلة لهذا الموقف تعتبر لبنان جزءاً من النضال القومي مع الفلسطينيين وضد إسرائيل.

 

          لقد تغيّرت الصورة وأصبحت القوى السنية والدرزية في تحالف مع بعض المسيحيين بينما تقف القوى السياسية المسيطرة على القرار الشيعي في الجهة المقابلة مع بعض المسيحيين أيضاً وأيضاً.

 

          وبغض النظر عن تقويم هذا التبدّل أو هذا التموضع الجديد الذي شكل اغتيال الشهيد رفيق الحريري إحدى محطاته البارزة فلو تمّ قبل عشرات السنوات لربما وفّر على لبنان الكثير من الخسائر مع التحفظ على قراءة الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان في تلك الفترة والتي لا يتسع المجال هنا للدخول فيها.

 

إلا أن ما يقتضي بحثه هو: هل أن اتفاق الطائف يجيب على الأسئلة المطروحة في هذا الملف أو يجب التفكير باتفاق جديد يحل هذه الإشكاليات المتّصلة بالعلاقات مع الخارج؟

لقد أكّد الطائف أن لبنان الملتزم شرعة الأمم المتحدة ومواثيقها يقيم أفضل العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة ويقيم مع سوريا علاقات مميزة. ومفهوم العلاقات المميزة والتطور الأخير الحاصل المتمثّل في إقامة علاقات دبلوماسية يستوجب تفاهماً بين الدولتين لتحديد العلاقات وتأطيرها.

 

          ولعل اللبنانيين جميعاً متفقون على استراتيجية هذه العلاقات وأهميتها بالنسبة للبلدين على قاعدة الاحترام والاستقلال والسيادة. ومن بالغ الأهمية أن تكون هذه القاعدة مقبولة ومعمول بها من قبل الطرفين حيث لا يكفي أن يتمسك لبنان بها إذا لم تجاره سوريا في ذلك.

 

          والأمر الآخر الذي يستوجب اتفاقاً بين اللبنانيين ولكنه يحتاج إلى دعم دولي على السواء، هو الموضوع الفلسطيني وكيفية ضبط المخيمات وإدارة العلاقات وإعادة بناء الثقة بين اللبنانيين والفلسطينيين وإيجاد حل عادل لقضيتهم وإذا تعذر لوجودهم في لبنان فكيف يمكن قبول استمرار الظلم اللاحق بهذا الشعب إلى فترة غير محددة وهل يستطيع لبنان وحده تحمل عبء إيجاد الحل أم أن المجتمع الدولي والدول العربية القادرة عليها تحمل هذه الأعباء.

 

***

 

          تبقى المسألة الشائكة المتّصلة بالاستراتيجية الدفاعية، ويؤلمني أن أقول أن التلطي وراء هذا العنوان يبرز لدى الأفرقاء المختلفين. فبعضهم لا يرى فيها إلا نزعاً لسلاح حزب الله وهذا الأخير يتموضع وراءها للإبقاء على سلاحه. ولا أعتقد أن مقاربة على هذا النحو يمكن أن توصل اللبنانيين إلى حل للأزمة الشائكة والأخطر على الإطلاق.

 

          فمن جهة أولى لا تقوم الدولة بوجود أحد الأفرقاء مسلّحاً بأقوى مما لدى الدولة.

          ومن جهة ثانية كيف يمكن حفظ سيادة الدولة والسلاح منتشر بكثرة بأيدي الجميع وأن مناطق واسعة من لبنان عصية على الشرعية.

          ومن جهة ثالثة، وعلى فرض وافق حزب الله على تسليم سلاحه يطرح السؤال: لمن يكون هذا التسليم؟

 

هنا تبرز صورة الدولة التي هي إما غير موجودة أو في طور التكوّن وهذه هي الإشكالية الدائمة التي طرحتها في مطلع مداخلتي.

 

          وعلى غرار مطلب المسلمين السابق بإلغاء الطائفية السياسية ويقابله مطلب المسيحيين بالعلمنة الشاملة - وكلاهما يعرف استحالة الأمرين معاً - كذلك يسلك اللبنانيون نفس المسلك بموضوع السلاح. فئة تناشد فئة أخرى: سلموا السلاح إلى الدولة والفئة الأخرى تجيب: أوجدوا الدولة حتى نسلّمها السلاح.

وهنا يطرح موضوع بناء الدولة، ووجود الدولة، وشكل الدولة.

          دولة لأي لبنان؟ وهل هذه الدولة الموعودة هي على شاكلة الوجبة التي تصل جاهزة إلى البيت أم يجب على اللبنانيين أن يجهدوا لإقامتها؟

 

***

 

أبرزت الأزمة الأخيرة جملة حقائق تتصل بالنظام السياسي أما وقد أُعيد تشكيل السلطة من جديد. إلا أن شعارات العهود لم تسفر عن شيء بل أدت إلى نقيض الشعار. فدعونا نعود إلى منهجية البحث ألا وهي: كيف نبني دولة؟

 

          يشير علينا العلم الدستوري والسياسي بمقومات الدولة، فهل تتوافر؟

ما هي شروط توافرها بغض النظر عن الصراع السياسي؟

وهل للطبقة الحاكمة مصلحة في إقامة الدولة؟

 

          أين الناس والمجتمع المدني أصحاب المصلحة الحقيقية في إقامة الدولة وما هو دورهم؟ دولة من ولمن ولمصلحة من؟

 

          كيف يمكن محاربة واقع أن الأزمة مربحة من حيث أنها تدرّ الأموال والمعلوم أن ضخّ الأموال لا يأتي إلا في الأزمات: كيف يمكن تجفيف مصادر التمويل وتطويق ما يسمّى هنا ال "Business"؟

 

          الدولة ليست جهازاً بيروقراطياً بل هي مجموعة وظائف تقوم بها الدولة فمفهوم السيادة أُلصق بالدولة وليس بأي أمر آخر. وليست هي وجود شكلي. ما لم تقم الدولة بهذه الوظائف ثمة إشكالية كبرى ستولّد مزيداً من الإشكاليات والنزاعات وستعطي المبرر للمقتدر من الفئات السياسية ليقول أنه يسد فراغاً أوجده عدم قيام الدولة بوظائفها.

 

***

 

          على اللبنانيين الاختيار: فإما الحوار بغية الاتفاق ووصل ما انقطع وأما القطيعة بغية الخلاف والفصل لا سمح الله.

          والحوار المقصود لا يكمن في استعراض الزعماء لابتساماتهم ولا لتصريحاتهم بل يبدأ بتشكيل هيئة وطنية للحوار من قبل رئيس الجمهورية - وهذا ما حصل إلى حدود كبيرة - تستفيد من نتائج كل الحوارات السابقة لأن الحوار عملية تراكمية ولا يُبدأ به في كل مرة من الصفر أو ما دون.

 

          لو كان قانون الانتخاب يسمح بتمثيل شعبي يتجاوز مسك بعض الزعماء لمفاصل الحياة السياسية من جهة وإيجاد كتلة نيابية عابرة للطوائف والمذاهب لا تدين بالولاء لزعماء الطوائف من جهة ثانية لما كان جائزاً إجراء الحوار إلا عبر المؤسسات الدستورية إذ كيف يمكن إنتاج حوار وطني خارج المؤسسات الدستورية وما هي جدوى قيامها إن لم تقم هي بهذه المهمة. وإذا كان النظام السياسي يشكو من ثغرات على ما بيّنا سابقاً فإن الطبقة السياسية مدعوة إلى ضبط الصراع السياسي حتى لا يبلغ حدود الحرب الأهلية كما أظهرت التجربة المريرة الأخيرة التي لم تجف دماء ضحاياها بعد.

 

وليس صعباً على اللبنانيين الاتفاق ووضع آلية للتنفيذ. وإذا تعذر الوصول إلى نتيجة مباشرة فينبغي دراسة البدائل حتى لا تقع الحروب، فأقول أن حلاً سيئاً ولكن سلمياً خيرٌ من أنجع الحلول الموضوعة على نار حامية.

 

فلو يأخذ المجتمع السياسي بهذه الأفكار أو ببعضها أو بسواها من اقتراحات تطوير النظام السياسي في لبنان لكانت ارتسمت ملامح الدولة في لبنان وقامت أساساتها كي لا نبقى ننادي ونناشد... وفيما عدا ذلك سوف نظل نطرح التساؤلات.

 

          هل يبقى لبنان دولة موحّدة أم أن هذه الصيغة غير قابلة للحياة مما يستدعي التفكير بصيغ اتحادية/فدرالية أخرى؟

 

          هل يجب أن يبقى لبنان في عين العاصفة المسلّحة في المنطقة أم يحتاج إلى فترة لالتقاط الأنفاس تمهيداً للاعتراف بحياده الإيجابي؟

 

          هل من حل في لبنان إلا قيام الدولة المدنية التي تحمي المواطن وتقر بانتمائه المباشر إليها دون حاجة إلى الطوائف وعلى أساس المواطنة؟

 

          كل ذلك تساؤلات. وإذا كان لي أن أبدي رأياً أقول أن ليس ما يستأهل سفك نقطة دم لبنانية واحدة بعد كل هذه المعاناة التي قاسيناها والحروب التي خضناها عبثاً ودون جدوى. 

Intervention du Juge Abbas El Halabi*

à la conférence

Alliance des civilisations

thème sur

« Coopération interculturelle et résolution des conflits »

USJ, 5-6-7 mai 2009

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

          Mesdames et Messieurs,

           Je salue les organisateurs de cette conférence et la participation de l’Espagne par le biais du Casa Arabe et de S.E l’ambassadeur de l’Espagne au Liban. Votre projet est à son heure. L’Espagne, perçue traditionnellement en Orient comme le pays de la nostalgie arabo – musulmane en Occident, a su y modifier son image au cours de l’histoire. Désormais moteur de compréhension mutuelle et agent essentiel du dialogue euro-méditerranéen, elle joue un rôle politique positif dans cette partie du monde.

 

          Des conférences telles que celle-ci accordent une grande importance à la dimension culturelle et constituent un cadre privilégié pour nourrir le dialogue des peuples et des cultures. Ses acteurs, l’Espagne et ses partenaires européens, méditerranéens et arabes intéressés, ainsi que les thèmes proposés, aideront, comme je l'espère, à mettre en relief les valeurs communes qui unissent les pays du pourtour méditerranéen, et permettront de souligner les points de convergence vers le dialogue que doit orienter son travail.

 

          Ma présente intervention propose de donner un avis sur le thème "Coopération Interculturelle et résolution des conflits". Elle pose en problématique les questions relatives à ce thème : les différends qui nous séparent sont-ils d'ordre culturel ou politique ? L'image du peuple arabe et musulman en Europe, et par la même

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* Ancien Magistrat, Président du Groupe Arabe du Dialogue Islamo Chrétien, Membre du Comité Libanais National du Dialogue Islamo Chrétien/Représentant de la Communauté Druze.

en Occident, est-elle davantage fondée sur les différences culturelles ou sur l'action politique menée par certaines fractions musulmanes ? De même, l'image de l'Europe dans le monde arabe, émane-t-elle surtout des positions prises par l'Europe en tant qu'entité dans les évènements qui secouent la région du Moyen-Orient ?

 

          En effet, le paysage religieux, ethnique et culturel du Moyen-Orient présente une telle diversité qu’il a de quoi dérouter le regard des Occidentaux[1]. Mais c’est pourtant là que réside la spécificité et la clé de la compréhension du Moyen-Orient : sa diversité est tout à la fois un facteur de stabilité sur le plan de la coexistence pacifique des peuples mais également, comme ne cesse de le rappeler l’histoire, un moyen de nourrir les crises d'ordre politique.

 

La fondation et l’expansion de l’Etat d'Israël faites au prix du droit légitime du peuple palestinien, auparavant déjà implanté en Palestine historique; une politique de deux poids – deux mesures qui caractérisent le traitement de la question par la communauté internationale ; le fait religieux conduisant à l’émergence d’un extrémisme et d’un radicalisme islamique, en réaction à la politique d’expansion israélienne et à l'extrémisme juif ; les projets du "Grand Moyen-Orient" et du "Nouveau Moyen-Orient" ; les visées expansionnistes de certaines grandes puissances régionales… : tous ces facteurs plongent le Moyen-Orient dans un état de crise à la fois interne (et les exemples ne manquent pas en Palestine/Israël, en Irak, au Liban le rôle de l’Iran) et international (l'offensive américaine, la guerre contre le terrorisme, la place de l'Islam politique dans le paysage confessionnel et politique mondial…).

 

          Par ailleurs, l'Europe n'est plus un "club chrétien"[2] et ne peut traiter avec le monde arabe en le considérant simplement comme une entité religieuse. Les contacts entre l'Islam et l'Europe ne doivent pas se définir comme un choc, mais plutôt comme un échange fructueux entre civilisations. L'histoire ne manque pas d’exemples de coexistence pacifique entre les acteurs de ces deux civilisations.

***

 

 

Contrairement à Samuel Huntington qui a professé la thèse d'un monde pluriel, mais réduit aux grandes civilisations principales, nombreux sont ceux qui ont prêché et travaillé à prouver des idées opposées, parmi lesquels Francis Fukuyama, qui a avancé dans son livre intitulé: " La fin de l'Histoire et le dernier Homme", l'idée selon laquelle la modernité constituait le seul horizon historique possible imaginable à l’échelle d’une pensée humaine d’aujourd’hui; que la politique mondiale était naturellement dominée par l’Occident démocratique libéral dont les valeurs s’étendaient progressivement à l’ensemble du monde, sans alternative crédible. Que la contestation de cet ordre, loin de constituer cette alternative, pouvait, en améliorant ses mécanismes, en favoriser le développement.

 

En effet, Fukuyama affirme que l'affrontement avec l'Islamisme radical était l'expression de la difficulté qu'ont certaines sociétés à accéder à la modernité.

 

          Pour ma part, j'adhère personnellement à la thèse exprimée par M. Philippe Barbé dans son ouvrage "L'anti-choc des civilisations"[3], parce qu'avec le recul, les thèses opposées aux idées de Huntington s'avèrent plus réalistes, puisqu'elles ont pour point de départ principal, des réalités socio-économiques, loin de la lutte entre les groupes de civilisation, prêchée par Huntington.

 

***

 

     

 

 

        Mesdames et Messieurs,

          La Méditerranée, la "Mare Nostrum", est sans aucun doute l’endroit privilégié pour que l’Occident, et en l’occurrence l’Europe, et le monde arabo-musulman cohabitent dans "un espace politique commun et transcivilisationnel"[4]. Un défi se présente dans ce cadre au monde arabo-musulman : celui d’adhérer à la modernité et de s’harmoniser sur des critères d'ordre juridique, politique, économique et communautaire davantage que religieux. Dans quelle mesure les pays du Moyen-Orient sont-ils capables d’établir des institutions stables garantissant la démocratie, la primauté du droit ainsi que le respect des minorités religieuses, ethniques et linguistiques ? Telle est la nature de ce défi.

 

          Par ailleurs, l'Europe présente pour nous un exemple : "l'Union Européenne fonctionne en effet essentiellement comme une institution multilatérale tournée vers le dialogue, la médiation et la recherche du compromis"[5]. Des critères pour le moins nécessaires et vitaux dans notre région…

 

          Toutefois, un fossé subsiste entre les deux rives de la Méditerranée, affectant les relations « Orient-Occident ». S'agit il d'une rupture civilisationnelle ou plutôt d'un désaccord politique ^[6]?

         

          Après les attentats du 11 septembre 2001, l’Europe s'est démarquée des Etats-Unis dans sa guerre contre le terrorisme. Les Européens n'ont pas analysé la situation de la même manière que leurs alliés d’outre-Atlantique ni partagé les mêmes vues. Se refusant à une politique basée sur l’Action aveugle, la Force et le Pouvoir, ils ont assumé leur choix et en ont subi les retombées :

leur conduite a été qualifiée de menfichiste, improductive, contre – productive, désengagée, neutre et impuissante.

 

          C'est pourquoi notre conférence vient à son heure, pour prouver que les solutions rapides dictées par la force n’aboutissent qu’à des impasses. Les Américains avec la nouvelle administration repensent leur ligne de conduite et leurs idées. Il vient à son heure dans l'espace euro-méditerranéen pour combler par le dialogue la fracture civilisationnelle entre l'Orient (musulman) et l'Occident (chrétien, avec toute la réserve à apporter à ce qualificatif)[7]. Le défi réside dans la possibilité et la capacité des pays du Moyen-Orient à coexister malgré leurs différends politiques cruciaux, tout en préservant leurs différences religieuses. Il est en effet primordial que les différends politiques ne deviennent pas des différends religieux ou culturels. Pour l’heure, il en est malheureusement ainsi, entre Israéliens et Palestiniens, judaïsme contre Islam[8], en Irak, entre sunnites et chiites, l’exode des chrétiens et au Liban, entre chrétiens et musulmans et même entre sunnites et chiites.

 

          En effet, cette conférence relève le défi pour prouver que cette zone charnière qu'est le pourtour méditerranéen va devenir un lieu privilégié de dialogue, de médiation ou de confrontation d’idées.

 

          La plus urgente des responsabilités de l'Europe et l’Espagne notamment est de donner tort aux théories qui ont fait la promotion d'un choc entre deux cultures et civilisations[9]. Loin d'être condamné à devenir le champ de bataille et le tombeau de différentes civilisations, l'espace euro-méditerranéen peut (et doit) être repensé comme une zone de contact, d'échange et de coopération entre le Moyen-Orient, l'Islam et le monde arabo-musulman d’une part et l'Occident, notamment l'Europe, d’autre part.

 

 

          Par ailleurs, Les Occidentaux doivent prendre conscience que la crise qui sévit en Europe en raison des flux de migration n'est pas due à l'Islam en tant que religion mais plutôt au comportement de certaines minorités de musulmans. Tous les musulmans qui vivent en Europe ne sont pas de même origine géographique. Aux différences de culte et de foi se juxtaposent leurs différences de culture et de mode de vie[10] d’où la nécessité de promouvoir l’idée du dialogue interculturel et de résolutions des conflits. Dans leurs pays d’origine, le "Fiqh" des musulmans s’est construit sur des situations où eux sont majoritaires. Le défi est maintenant pour eux de générer un "fiqh" qui leur permettrait de vivre et de s’intégrer dans un environnement étranger où eux ne constituent qu'une minorité qui accepte les valeurs de la majorité.

 

          Les politiques actuelles visant à intégrer les musulmans en Europe n'ont pas réussi, d'une part parce que les sociétés européennes modernes se sont construites sur une laïcité totale, ne reconnaissant pas la dimension religieuse dans la vie publique, et d'autre part parce que les musulmans sont sous l'influence de guides dont l'éducation est animée par l'intolérance et l'extrémisme. A titre d’exemple, un guide à l’éducation saoudienne ne peut comprendre les valeurs du respect de la différence, tout simplement parce qu’en Arabie Saoudite il n'y a pas de différences, il n’y a que des musulmans! Et ce, malgré les tentatives du Roi de cesser la marginalisation des minorités vivant au royaume.

 

          En effet, la présence musulmane en Europe est récente. Elle ne peut être comparée à la présence chrétienne en Orient. Les chrétiens d’Orient sont originaires de la région et certaines de leurs églises datent de l'époque du Christ. Les chrétiens d’Orient ne peuvent être perçus comme la prolongation de la présence européenne au Moyen-Orient : ils sont orientaux de part leur origine, leur culture et leur foi[11].

               

 

          Mesdames et Messieurs,

          Notre expérience au Liban, ainsi que dans les autres pays du monde arabe proche-orientaux, démontre finalement que tout ce qui unit les chrétiens et les musulmans est beaucoup plus important que ce qui les différencie. Les périodes de coexistence et de paix sont beaucoup plus importantes que les périodes de crise et de conflit[12]. Musulmans et Chrétiens du Moyen-Orient souffrent des mêmes maux et sont uns et uniques faces aux problèmes que rencontre la démocratie, la liberté, la stabilité et les droits de l'homme. Ils sont différents, oui, quant à leur statut personnel, mais ils partagent les mêmes valeurs communes et des liens précieux et sont en proie aux mêmes difficultés : à savoir les extrémismes de tout bord et le problème central qui affecte leur vie et leur stabilité, le problème palestinien. Chrétiens et musulmans aspirent tous à tisser d’excellentes relations avec l'Europe, dont ils partagent les valeurs de paix, de coopération et d'échange et ce, grâce aux relations qui perdurent entre les deux rives de la Méditerranée depuis des centaines d'années.

 

Cette conférence nous donne l'occasion de dégager une pensée commune, inclusive et médiatrice, une pensée respectueuse des civilisations, des cultures, des différences et qui serait à la mesure de l'homme et de son patrimoine culturel. Le pourtour méditerranéen constitue pour nous tous une question vitale de politique. Nous devons donc croire à l'avenir de la Méditerranée et au rôle dynamique de l’Espagne dont les origines, les traditions et même le langage ne cessent de donner un exemple réussi du dialogue des cultures.  

مداخلــــــــــــــــة

القاضــــــــــــي عبــــــاس الحلبـــــــي

في النـــــدوة حــــــــول كتـــــــــــــــــــــاب

"إيمائيـــــة الـروح في قلــــــــب المدينــــــــــة

في وجوديـــــــــــة الإنسانويـــــــــة"

الدكتور عبــــــدو القاعـــــــي

أنطليــاس في 14/4/2009

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

يسرّني أن أشترك في هذه الندوة حول كتاب الدكتور عبدو القاعي (المركز اللبناني للأبحاث المجتمعية / منشورات جامعة سيدة اللويزة المرموقة) وفي هذا المكان بالذات الناشط في إطلاق وتعزيز الحركة الثقافية في لبنان وفي بداية الإحتفال في لبنان وبيروت العاصمة العالمية للكتاب.

 

          ولا أخفي منذ البداية صعوبة المهمة التي ألقاها على عاتقي الصديق الدكتورعبدو الذي تربطني به صداقة وأخوّة ورفقة سفر. وهل يمكن التحدّث في الكتاب دون الحديث عن الكاتب الحالم العالم الباحث عن جوهر الحقيقة والساعي إلى وضع الإنسان في المكان الذي يليق به وهو أصلاً وجد من أجله أي عالم الإيمان والبحث عن الذات والسعي إلى معرفة الخالق عزّ وجلّ.

 

          إيمائية الروح في قلب المدينة، في وجود الإنسانوية عنوان كبير لسفرٍ نفيس وفيه دعوة للإنسان إلى أن لا يشطّ عن الروح في متاهات المادّة وفيه دعوة أيضاً لإعادة الاعتبار للتنشئة الروحية والمدنية في لبنان والعالم العربي مستظلاًّ بالتحوّلات التي جرت على القيم: قيم التماسك والتلاحم الإجتماعي والأخلاقي أي الخضوع للسلطة والطاعة والإذعان لقواعد السلوك المعمول بها والقيم المدنية كالإستقلالية والمسؤولية والمساواة والمشاركة والإنتظام مؤسّسياً والغيرية (ص.20).

 

          لا أخفي صعوبة قراءة الكتاب وربّما يحتاج القارئ إل قراءته غير مرّة حتى يفهم أسلوب الكاتب ويفكّك مراده والمآرب ويدخل في سبر غور عالمه الخاصّ الذي نسجه نتيجة تراكم معارفه وسعة مداركه.

 

          وإذا كان لي أن أتوقف أمام ملاحظات حتى يتسنّى لي قول ما أريد متحرّراً من ضغط الوقت الممنوح لي في مناقشة هذا الكتاب فإنني أشير إلى جملة قضايا أبرزها.

1-   الأسلوب أي أسلوب الصياغة: إن أسلوب الكتاب ليس ذلك السهل الممتنع الذي يخوّل القارئ، أي قارئ فهم المقصود وبلوغ المأمول. فهذا الكتاب ليس موجّهاً للعامّة بل هو موجّه بصورة أساسية للخاصّة الذين يستطيعون الوقوف على مدارك الألفاظ وعمق المعاني.

2-   تميّز هذا الكتاب باستعمال العبارات النافية وقد أحصيت المئات منها في القسم الأوّل: اللاّنظامية (ص.21)، اللاتاريخ (41)، اللامتناهي (41- 90)، لانهاية (48-64- 88-90-95-98)، لامحدوديتها (64)، اللاّنظاميّة (87-88)، اللاّلتزام (89)، لانهائيين (90-91 )، اللامتوقع (91)، اللاّقياس (90)، اللاّوزنية (93)، اللاّمتوقّع (93)، اللاّمرئي (94)، اللاّنهائية (97)، اللاّمؤسّسة (98)، اللاّغرض (99)، اللاّمنطق (100)، و أكتفي بهذا القدر. وفوق ذلك عندما يتطرّق إلى البحث تراه يجنح إلى بحث البحث عن البحث (97) وعن الإلتزام الإلتزام وعدم الإلتزام.

3-   يصعب اختصار الكتاب وتحديد مرامي المؤلّف بعجالة إلاّ أنني أتوقّف وأنا الموحّد عند الفيض من روحانية المؤلّف المتجلّية في سياقه الفكري الروحي في الموضوع الثاني حول الإيمان تقيّد بالمعتقد أم إلتزام بالحبّ والبحث عن الحقيقة وكناشط في المجتمع المدني حول موضوع المواطنية والتنشئة المدنية والمثال اللبناني.

 

          فــي العنــوان الأوّل، أي الإيمان،

          دوّنت وأنا أقرأ هذا الفصل أنّك يا عبدو موحّد من حيث تعرف أولا تعرف، أنت صوفي وهل أدلّ على ذلك من افتتاحك لهذا الفصل بالوحدة بين أديان هذا العالم (ص.69) وأنّ المقر الآمن هو في الديانات التي تسعى أن تعبّر عن ذاتها كدعوة ثابتة للعدل والحبّ والبحث عن الحقيقة (ص.69). وهل باستطاعتي ألاّ أشير إلى أنّك خصّيت بني معروف الذين بحسب قولك" يرفعون لواء القيم الروحيّة والسيكولوجية في الدين" (ص.73)، وأنّ الديانات إذا انطوت على أعماق روحيّة تشكّل رافعة للقيم (ص.74) وأنّ جوهر الديانات يكمن في الآخريّة altruisme والعالمية والحرّية وأنّه لا بديل عن العائلة إلاّ العائلة (ص.75)، ودعوتك إلى رجال الكهنوت أن ينصرفوا إلى البحث والتأمّل والعمل ومن العمل الرعوي أن ينبني على التبادل والشهادة والمثل الصالح (75) والعمل التربوي أن يشجّع على الإصغاء إلى الغير وعلى التمرّس بحسن الكلام والعمل بتنمية قدرات التعلّم والعيش الكريم (75) وتوسّع دائرة دعوتك إلى العاملين في حقل الدين أو المجتمع استنباط أنماط عمل وأساليب تصرّف تساعد على توجيه الناس إلى مزيد من التعاون والمشاركة بدلاّ من الخضوع للسلطة القائمة (75).

 

          وهل من إيمان وعبادة أهمّ بنظرك من الإصغاء إلى الله والحبّ  (78) فيغدو الحبّ بنظرك القيمة الوحيدة الجديرة بالوجود لأنّ الوحي الإلهي والحبّ يؤلّفان ثنائيّاً متماسكاً لا ينفصم جزؤه عن الآخر حيث نجد الحبّ في أساس الرابط الذي يجمعهما ونجد الوحي قائماً في سلسلة ارتدادات يغذّيها هذا الحبّ(78).

 

          وإذا كان الإيمان بنظرك كطريق نحو الحقّ والحياة كما ورد في قول المسيح (85) وهو السؤال الذي أرّقك في مشوارك الحواري من الذات إلى الذات أفليس هذا هو المجاهدة التي تؤرق أخوانك بني معروف لبلوغ الغاية والتقرّب من الحقيقة والكدح إلى معرفة حقيقة الله تعالى التي لا يمكنه بلوغها إلاّ عبر حياة تقشّف وزهد تحرّر النفس من شهوات المادّة والجسد وبالتالي يتحقّق خلاص الإنسان بالعرفان أي بالمعرفة الصحيحة للحقائق الإلهية. (كتاب الموحّدون الدروز ص.28).

 

          وهذا ربّما ما أراده الكاتب في قوله في الكتاب (ص.181) تتعالى المعرفة نحو تجلّياتها لتصبح رجاء اتّصال بين الخليقة والخالق أوليس هذا عرفاناً؟

 

          سفر الخروج نحو الفردوس المحظور حيث زهرة الطيب / نحو الكلمة الممنوعة ونحن في هدوء الصمت نتمكّن من سبر أغوار موسيقى المعنى ...... حيث سيكون عليه أن يواجه جهوزية الرموز والعلامات والمعاني...... إلى قطف الزهرة الممنوعة إنّما لتخليصها من أشواكها حتى تحوّلها إلى زنابق تتمايل نحو نظراتنا المطمئنّة على وقع إصغائنا المتحرّر من الخوف وكلمتنا الباحثة عن مجد حبها وفي أثيرية شذا عطرها المتلهف لرحيق توقنا لإرادة  الحبّ التي ظهرتها في الوجود (ص.189). أليس هذا تصوّفاً؟

 

          أمّا الصلاة التي شدّت أواصر "وحدته" أي وحدة الكاتب مع المجموعة الدينية في مطلع شبابه لم تقو على مقاومة هجومات تفكّراته وانتقاداته التي دفعت به نحو طريق البحث عن المصداقية في مواقفه وسلوكياته كما وفي صلاته التي بطريقتها المتجدّدة أدّت به إلى الإبتعاد التدريجي عن الجماعة الدينية التي ينتمي إليها (ص.192) لأنّه يتلاقي أيضاً في هذا المفهوم مع أولئك الذين "أخذوا ورشفوا وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى وتوجهوا إليه في تقلباتهم في الليل والنهار وتناجوا وتقرّبوا فيدنيهم المولى من ظلّ طلع نضيد من كلّ حرف صلاة في الليل والنهار فمولاي إن كنت أدّعي لك حبّاً فأنت الفرد اعلم بما ادّعيته. وهذا القلب الذي ما بين إصبعيك يناديك لأنّك أنت الصلاة" (49 المصحف المنفرد بذاته).

 

          أماً حديثك عن نقطة الصفر (ص.59) التي تشدّنا فعلاً نحوها على هذه الجسور هي هذه اللحظة الهيوليّة من اللقاء بين المعاني وهي تفتّش عن مدلولاتها الخاصّة تعود إليها في اشعاع الكريستال بفضل الإيمان المرتكز على الحبّ (ص.91) أو عندما يطلب من الإنسان في صيرورته أن يلقي نفسه في اللاّمتوقّع حيث ليس في متناوله إلاّ الحبّ (91) الذي يصبح في فهمك كمثل نقطة البيكار لدى الموحّدين الذين "تشوّقوا إلى الكمال وعشقوا جماله وجروا في بحار المشاهدة سكارى وما هم بسكارى ولكنّهم قد مُلئوا رضى".

 

          وإذا كان الخلق بدو الحقّ فإنّ نقطة الصفر التي تتحدّث عنها وتجعلها النقطة المركزية فهي كنقطة البيكار عند الموحّدين "وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون" (سورة البقرة الآية 117 –  كتاب الموحّدون الدروز ص.32)، ويا ليتني أستطيع الاستفاضة في هذا البحر الروحاني الواسع. 

 

          فـي العنـــوان الثانــــي،

          لا بدّ لي من التوقّف عند السؤال الجوهري الذي طرحه الكاتب بنصيحته كلّ الّذين يسعون للتعرّف إلى ذاتهم الإنسانية الحقّة في تجلّياتها الإجتماعية أن يبتعدوا عن مسارح هيمنة السلطة من خلال إخضاع سلطتهم لتمرين المواطنة حيث إجازة حسن السلوك الجماعي الحرّ العادل والمسؤول يفرض عليهم الإستناد إلى شرائع الحقوق الإنسانية وإلى مراجعة هذه الشرائع باستمرار انطلاقاً من واجبيّة الإعلاء من شأن الأكثر فقراً والأشدّ ضعفاً (ص. 162).

 

          إنّ في هذه النصيحة ثورة على التقاليد ودعوة لإعادة النظر بأسس التربية القائمة على الخضوع والخنوع على التسليم بالحتميّات والإذعان للمسلّمات. لقد رأيت المؤلّف هنا شاهراً سيفه ليس فقط في وجه التربية المدنية تجاه السلطة الظالمة وخاصّة في لبنان حيث لا سلطة إلاّ ظالمة بل أيضاً وخصوصاً بوجه السلطة الدينية التي تمارس الهيمنة والتسلّط على الأتباع الّذين كثيراً ما يكونون من تلك الفئة الأكثر فقراً والأشدّ ضعفاً وهي بالأساس لو تقيّدت بتعاليم أبنائها ورسلها لكانت النصير لهذه الفئات تخصيصاً.

 

          هاجس عبدو مناصرة الضعيف والمقهور والمسحوق والمهمّش ودعوته إلى بناء المواطنية على أساس التّحرّر في الفكر والممارسة بغية نسج صلات اجتماعية جديدة ذات طبيعة تكافلية بين غرباء يستنبطون كلّ يوم مصلحتهم العامّة وسيعود إلى الدفاع عن هذه المصلحة والمحافظة عليها كي نتمرّس على المواطنية أي العيش معاً كفعل بناء دائم للخير العامّ الذي يساعدنا على تحقيق المساواة في ما بيننا (ص.207).

 

          وهذا السبيل هو الذي يزوّدنا بالإيمان بقدرة كلّ منّا على  إنهاء الحرب (ص.208) لأن تحقيق تكافؤ الفرص للجميع يؤدي إلى إيصال الضعفاء إلى الدرب (ص.208) وبناء المعابر والجسور فيما بين الشبان والشابات (ص.209) لتحقيق ارتباط وثيق بين الحقوق ومشروعي المدنية والمواطنية (ص.213).

 

          فالحقّ هو مفهوم مدني حضاري وهو مفهوم قانوني وسياسي ونضالي. فليس من حقوق خارج هذه الأطر (215) هذا فضلاً عن تحديات كثيرة حول المواطنية والحقوق الإنسانية ومناقبية المدينة في القيم والأخلاق والخلق (ص.229).

 

          هل ستفيض في هذا البحر الواسع حيث يختلط الرّوحي بالبشري والإيمان بالعرفان والتربية بالسلوك والمعتقد بالنظام والحياة بالمدنية والحقوق بالمدينة.

 

          عبدو القاعي، هذا المسكون بالحبّ لأنّ لا بحث عن الحقيقة إلاّ عن طريق الحبّ (ص. 43) ولا سبيل للإنسان إلاّ الهيمنة على الآخرين أو أن يحرر نفسه (ص.43).

 

          والرهان أوّلاً وأخيراً على الولد الذي هو فعل اعتقاد بإمكانيّة توفر ثروة لا تنضب ثروة الوعد البشري بحياة وبمساحات حبّ تمنحنا إيّاها الطفولة. فطوبى لك يا عبدو توصّلت بالحبّ إلى العرفان وبلغت أعلى درجات الإيمان كمثل ذلك الولد في ثروته التي لا تنضب بمساحات الحبّ الكبيرة التي تغمر عقلك وتسيطر على فكرك. ولنا فيك قدوة حسنة.

 

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحضور المسيحي مع المسلمين في لبنان



قال القاضي عباس الحلبي ان الحل المرحلي للازمة اللبنانية القائمة يكمن بالحرص على الطائف والتمسّك به اما والحل على المدى الطويل فيكون باستعادة دور المسيحيين المعتدل والوازن بين فريقي النزاع في لبنان لتشكيل قوة مرجحة في التوازن المفقود لمصلحة الدولة ولبنان.

واضاف القاضي الحلبي إن الوجود المسيحي في لبنان وضمانة استمراره وحريته هو خط الدفاع بالنسبة للدروز وللكثير من اللبنانيين. وان ضمانة المسيحيين الحقيقية تكون في استعادة الدور وليس الصلاحيات السياسية مهما بلغ شأنها.

وفيما يلي نص الكلمة التي القاها خلال مؤتمر "الحضور المسيحي في لبنان" الذي عقد في دير سيدة الجبل بتاريخ 14-3-2008:

أصحاب الغبطة،

أصحاب السيادة،

قدس الرؤساء العامين وحضرة الرئيسات العامات،

السادة رؤساء الجامعات ومندوبي المدارس والمستشفيات،

الأخوة والأخوات،

أشكر لكم دعوتكم للحديث عن الحضور المسيحي مع المسلمين في لبنان. يذكّرني هذا الموقف بآخر شبيه عندما اشتركت في الحديث عن العلاقات الإسلامية –المسيحية من زاويتها الدرزية أمام السينودس من أجل لبنان بحضور قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان منذ ثلاث عشرة سنة. وأحيي ديناميكيتكم المستمرة في بحث الوضع المأزوم الناتج عن هذه العلاقات في مرحلة كدنا نظنّ فيها بأن اللبنانيين قد اتّعظوا من دروس الماضي، القريب منه والبعيد. فإذا بنا نقف عند كل منعطف الوقفة ذاتها للتبصر بحال الوطن وما آل إليه من أزمات متكرّرة ومن حالة عدم الاستقرار الذي يعيش فيه. فلا ننجح في تجاوز الأزمات بل نقع دوماً في الفخ نفسه من التقابل والفرقة والانقسام.

حسناً فعلتم أيها الإخوة الأجلاء في طرحكم موضوع الحضور المسيحي في لبنان وهو همّ مشترك بيننا جميعاً بل هو جزء من الهم العام لمشكلة البلد. فلا أتصوّر أن الوطن يبقى إذا شعر أحد مكوناته بأنه في أزمة. وليس المسيحي وحده يعاني هذا الشعور بل اعتقد أننا جميعاً معنيّون ومأزومون.

إن مجرد طرح السؤال يعكس حالة القلق لدى المسيحيين حول وجودهم الحر في لبنان وهم الذين ساهموا في إرساء قواعد الكيان اللبناني منذ مئات السنين.

هل الخطر في لبنان على الوجود المسيحي فقط أم يتعدّاه ليصبح خطراً على جميع اللبنانيين؟

إنني من موقعي الدرزي أقول أن الخطر ليس محصوراً بالوجود المسيحي فحسب. ماذا تقولون عن وجودنا نحن الدروز مثلاً في هذه المعمعة من شدّة الصراع السياسي بين السنة والشيعة.

هل سيتغيّر وجه لبنان المتنوع الذي يزدهي بوجود طوائف متعددة في تركيبته والتي أرسى قواعدها الميثاق الوطني اللبناني سنة 1943 ثم أعاد تجديدها وصياغة عقدها الاجتماعي اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية في عامي 1989-1990؟

وما هي حالة لبنان اليوم حيث قسم من المسيحيين ومثلهم أبناء طوائف أخرى، لا يعون مخاطر ما يجري فيصطفّ بعض المسيحيين في سياسات تفقدهم دورهم الضامن للصيغة اللبنانية بانحيازهم إلى هذه الفئة أو تلك من المتصارعين، أو حتى انزلاق قسم منهم أو انحيازهم إلى فكرة التعطيل أو السكوت عن الفراغ في موقع لهم لا أعلى ولا أسمى في الهرم السياسي والدستوري يؤمل منهم الحفاظ عليه والذود عنه ليس لمصلحتهم فحسب بل بداعي الحرص على معنى لبنان.

لقد هالنا ما نشهد من قلة وعي لحقيقة الصراع على السلطة الجاري في لبنان والذي، إن صحّت التوقعات، سيغيّر الوجه اللبناني إلى الأبد ويجعل لبنان بلا معنى ولا مضمون إن هو فقد هذا التنوع.

ففي خضمّ الصراع نسأل أين يقف المسيحيون؟ لا بل اسمحوا لي أن أطرح السؤال على نفسي أولاً أين يقف الدروز؟

تاريخياً عرف الدروز كيف يحافظون على استمرارهم في بيئة معادية بسلوكهم سبيل اعتبار أنفسهم دوماً جزءاً من الأكثريات. أخرجهم بعض قادتهم من قوقعة الانغلاق إلى المحيط العربي الأكبر. كذلك ساهم المسيحيون بإطلاق فكرة العروبة كمشروع حضاري يشكّل الإسلام فيه عنصراً مكوّناً وليس عنصراً حصرياً. هذا في ظل سيطرة المشروع الإسلامي بتشكيله الأوسع. أما اليوم فأين نقف وهذا المشروع متعثر أمام الإندفاعة القوية للعنصر الإيراني الذي يحمل مشروعاً فارسياً (أي غير عربيّ) وشيعياً ؟

لستُ أيها الأجلاء معنياً بصورة شخصية بالمصالح الضيقة إنما أطرح التساؤل للقول، أين سيصبح لبنان بعد تغير وجهه الذي يشكّل المسيحيون فيه حضوراً فاعلاً.

تكمن المشكلة برأيي في بعض سلوكيات وخيارات القيادات المسيحية التي تضعف وتهمّش المسيحيين وتتناول حتى رمز الموارنة غبطة البطريرك الذي، في هذه المناسبة، لا تزال تشخص إليه الأنظار على ما عهدناه للعب الدور المرجو للتوفيق، ولو تعالياً على آلامه وجروحه الماضية والحاضرة، بين مكونات البيت الواحد ولا أخالها مهمة يسيرة، أسوة بما يقوم به بالفعل في البنيان الوطني الجامع، ولا أخفيكم أن ليس من سواه يؤدي هذا الدور الجامع. لست هنا لأتّهم أحداً من القيادات السياسية ولا أدّعي ذلك بل من حقي كمواطن يراقب أن أقول أن المجتمع اللبناني أصبح له بناءان مختلفان كما أثبتت تجربة الاعوام الثلاثة المنصرمة:

فكرة العيش المشترك التي تضعف وفكرة الانغلاق الطائفي والمذهبي التي تقوى.

لعلّنا مدركون أن فشل تجربة الحكم لدى المسيحيين ما قبل الطائف أوحت للآخرين بخوض التجربة عينها. فالبعض مأخوذ بشعور الغلبة والاستقواء بالخارج لتغيير تركيبة السلطة: وفي هذا السياق كل شيء مباح لاستعمال كل الأوراق لبلوغ الهدف.

وهل أن التنوّع السياسي دليل عافية اليوم أم هو اضحى حالة مرضية؟

ما هو النموذج المعروض أمامنا كي ننحاز إليه: النموذج العربي بقمع الحريات وغياب الديمقراطية وإشكالية التوريث أم النموذج الإيراني بولاية الفقيه.

آن لنا أن نتصارح: في مثل هذا الجو، لا أفق لنا ولا آمال نرتجيها. يداً بيد علينا تفعيل مجتمعنا المدني لتحقيق المزيد من الانفتاح والخروج من هذين الخيارين. حسبي أن المستقبل لا يتأمن لنا إلا من خلال المزيد من الانفتاح والتأسيس على مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

إزاء تنامي التيارات الإسلامية المتطرّفة وهي أيضاً صدى ورد فعل لتنامي الأصوليات الدينية والاثنية المختلفة في العالم من صهيونية وصهيونية مسيحية وهندوسية وصربية وسلافية وغيرها....وأمام فشل الدولة اللبنانية في تحقيق ذاتها لغاية الآن عن طريق المؤسسات وانكشاف "الساحة" اللبنانية لجميع التأثيرات وجنوح بعض الطوائف إلى فتح قنواتها مع الخارج بحيث أصبح لكل طائفة سياسة خارجية ودفاعية ذاتية مختلفة عن الأخرى، هذا فضلاً عن تدفّق الأموال الأجنبية وبناء المؤسسات الطائفية التي ترافق المواطن اللبناني من المهد إلى اللحد، واستفحال البث الإعلامي التحريضي والتقسيمي، وتعظيم الموت وتسخيف الحياة، وعجز الدولة عن ضبط البؤر المسلّحة والإرهابية، وتخلّي العالم عن مساعدتنا فعلاً وليس قولاً وأولها حل مشكلة الفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، كل ذلك يجعل من الخطر ينمو، ويلح السؤال: كيف الخروج؟

لا أظن أن الوجود المسيحي وحده في خطر بل لبنان كله في دائرة الخطر والاستهداف طالما أن اللبنانيين منقسمون. وقد فوّت المسيحيون فرصة تاريخية لاستقطاب جاهدوا في سبيل تحقيقه عشرات السنين ألا وهو انحياز السنة إلى مشروع الدولة وإلى فكرة الوطن اللبناني وضيّعوا فرصة تاريخية لملاقاتهم في تغيّر موقعهم السياسي لا بل أكثر خطورة كان انحياز قسم كبير منهم إلى جانب فكرة التعطيل والعمل في سبيل تحقيق مشاريع سلطوية شخصية.

يكمن الحل المرحلي بالحرص على الطائف والتمسّك به ولست ارى عنه بديلا. والحل على المدى الطويل هو استعادة دور المسيحيين لتشكيل قوة مرجحة في التوازن المفقود لمصلحة الدولة ولبنان. الضمانة تكمن في الدور المسيحي المعتدل والوازن بين الفريقين المتصارعين وليس الانحياز إلى هذه أو تلك من الفئات.

لا اغالي ان قلت ان الوجود المسيحي في لبنان وضمانة استمراره وحريته هو خط الدفاع بالنسبة للدروز وللكثير من اللبنانيين. ولعل التحول الكبير في الوجدان الدرزي تجاه المسيحيين واستغفار المرحلة السابقة التي شهدت صراعاً مسلّحاً دليل على الوعي الاستراتيجي القائم حالياً لأهمية الدور المسيحي. ولعل إدراك هذا الأمر لا يبرّر إطلاقاً بعض المقولات في الصف المسيحي لاستعادة صلاحيات لا تقدم أية ضمانة. بل الضمانة الحقيقية في استعادة الدور وليس الصلاحيات مهما بلغ شأنها.

إن طرح إشكاليات الوجود المسيحي في لبنان يؤشر إلى عمق الأزمة التي نعيشها في هذا الوطن. ولعل الخلط بين المفهوم السياسي والمعتقد الديني بحيث تصبح الدولة استمراراً للمصالح الطائفية يعوق عملية الخروج مما نحن فيه.

لا حلّ لنا إلا بالدولة المدنية التي تعطي الدين حيزه الخاص وتجعل من العلاقة مباشرة بين المواطن والدولة.

أزمة المسيحيين في لبنان لا بل أزمة اللبنانيين هي أزمة الدولة والمواطن فلنسعى لإقامة الدولة لأن لا حل بدونها وإلا سيستمر شعور المسيحيين وشعور غيرهم من اللبنانيين بأننا قبائل متناحرة تبرر عيشنا المأزوم.

أكرر شكري وأحيي حيوية المجتمع المسيحي الذي يعطينا نحن اللبنانيين في كلّ مرة مثالاً يحتذى ودرساً في الحراك الوطني وفي التفكير الدائم لصيانة صيغتنا الفريدة، صيغة العيش الواحد في وطنٍ واحد ودولة مدنية جامعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثقافة الحوار في مجتمع تعددي: النموذج اللبناني



يقول رئيس الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي القاضي عباس الحلبي في تعريفه للحوار بظانه مكسب من مكتسبات الثقافة والحياة السياسية السليمة الشفافة. وان الحوار يوجد حيث التنوع لإدراك المشترك بين الفئات المختلفة وتعيين المختلف ليكون هذا المختلف هو مادة الحوار.

ويشير القاضي الحلبي الى ان الحوار هو حوار الحياة وليس حوار اللاهوت والعقائد الدينية، ذلك أن المجتمعات المتنوعة تنتج دوماً حساسيات فحيث التنوع هناك الحساسيات، فيغدو الحوار هو الوسيلة والأسلوب لتجاوز الحساسيات وانبثاق جو من التآلف والتعاضد والتراحم للعيش معاً.

ويلفت القاضي الحلبي الى أن العلاقات الإسلامية المسيحية في لبنان والعالم العربي ليست بمنأى عن المواجهات الجارية في العالم اليوم وأن المعالجة لا تكون بالكبت والتضييق وخنق الحريات، بل بالحوار والمصالحة واحترام الأديان وبنشر الديموقراطية وسيادة القانون وبإعادة التفكير في أزمة العقل العربي والعقل الإسلامي.

وفيما يلي نص المداخلة التي القاها رئيس الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي القاضي عباس الحلبي في الحلقة الدراسية حول "التعددية الثقافية والتنمية الانسانية المستدامة" التي دعا اليها مجلس كنائس الشرق الاوسط في فندق الكومودور بتاريخ 20-7-2007:

الإخوة والأخوات،

أشكر المنظمين قسم الإيمان والوحدة وقسم الحياة والخدمة في مجلس كنائس الشرق الأوسط لإتاحة الفرصة لي للتحدث في هذه الحلقة الدراسية حول ثقافة الحوار في مجتمع تعددي: النموذج اللبناني، وأنوه بجهود هذين القسمين والمجلس الذي يظللهما في إقامة هذه الحلقة، وأوجه تحية حارة للقائمين على هذه البرامج كما تحية إلى أمين عام المجلس الأستاذ جرجس صالح.

تعلمون ولا شك أن فريقنا العربي للحوار الإسلامي المسيحي ربطته مع مجلس الكنائس رفقة طويلة تكللت بجهود مشتركة على مدى عقد من الزمن. وإننا نتطلع بأمل إلى المرحلة المقبلة بحيث يتوثق التعاون من جديد على قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون الخلاق بما يحقق مصلحة مجتمعنا وأوطاننا.

الإخوة والأخوات،

لفتني عنوان حلقتكم الدراسية " التعددية الثقافية والتنمية الإنسانية المستدامة" وأهنئكم على حسن اختياركم لهذا الموضوع المهم. إلا أنني أرجو أن يستمر سعيكم في طرح موضوعات أكثر التصاقاً بموضوع التنمية الإنسانية المستدامة وإعادة الاهتمام أكثر إلى موضوعات البيئة وانعكاس استباحتها على صقل النفوس وتعزيز الثقافة.

لا أرغب في أن أتلو عليكم نصاً تستمعون فيه إلى نظريات حول الحوار والتعددية في لبنان وهما أمران لا أشك لحظة أن الكثيرين منكم قد ملّوا من سماعه لكثرة ترداده. فرغبت عوض ذلك الاستعاضة بإعطائكم خبرتنا الواقعية في الحوار وفي التعددية من منظور عملنا الذي يمتد إلى سنوات طويلة في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي أو في تجربتنا اللبنانية وهنا نلتقي مع ما هو مطلوب في التحدث عن النموذج اللبناني أعني تجربتنا الأخيرة التي خضناها في سويسرا حول مكامن الأزمة وخلفياتها المرحلية والمستديمة المولدة لحالة عدم الاستقرار التي تهدد لبنان دولة ونظاماً ومجتمعا علنا بذلك نسهم جدياً بموضوعية ومسؤولية وطنية في بلورة أفكار ومقترحات قد تساعد أصحاب الشأن على معالجة هذا الاضطراب اللبناني المتكرر وبلوغ حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي الراسخ.

الإخوة والأخوات،

لعله من المفيد بدايةً، الانطلاق في تعريف الحوار بوصفه قيمة مطلقة رغم أن الأفرقاء السياسيين يتعاملون معه باعتباره نسبياً خاضعاً لظروف وموازين القوى لكنه أضحى اليوم مكسباً من مكتسبات الثقافة والحياة السياسية السليمة الشفافة. لقد كان الحوار قائماً في كل محطات التاريخ في هذه المنطقة الغنية بالتنوع والراسخة في القدم. وحيث يوجد التنوع كما هو الحال في وطننا وفي منطقتنا يضحي الحوار الطريق الأسلم لإدراك المشترك بين الفئات المختلفة وتعيين المختلف ليكون هذا المختلف هو مادة الحوار. والحوار المقصود في بحثنا هو حوار الحياة وليس حوار اللاهوت والعقائد الدينية، ذلك أن المجتمعات المتنوعة تنتج دوماً حساسيات فحيث التنوع هناك الحساسيات، فيغدو الحوار هو الوسيلة والأسلوب لتجاوز الحساسيات وانبثاق جو من التآلف والتعاضد والتراحم للعيش معاً.

وقد برزت الحاجة في لبنان إلى الحوار بعد انتهاء المحنة الوطنية الكبرى عام 1990 كما برزت الحاجة إلى هذا الحوار في منطقتنا العربية في الفترة عينها لما كان من أثر للحرب اللبنانية على المجتمعات العربية. وعندما بدأت مجموعتنا تتحدث عن الحوار في تلك الفترة كان السياسيون يهزأون لأن بعضهم كان مأخوذاً بشعور الغلبة ومسكوناً بشعور الإستقواء على الآخر. وهكذا فلقد أصبح من كان يرفض الحوار بالأمس يقدمه اليوم على أنه الحل المثالي أو الوصفة السحرية لأي خلاف أو اختلاف أو سوء فهم أو نزاع وذلك دون أدنى تمحيص أو تدقيق في شروطه ومبناه أو معناه. ليس الحوار مساومة وتسوية وتنازلاً لأن بعض السياسيين ينظر إلى الحياة وإلى العلاقات الإنسانية والاجتماعية من منظور ميزان القوى. من هذا المنطلق بقي الحوار والقائمين عليه في واد والسياسة والسياسيين في واد آخر، والوادي الآخر المقصود هو سياسة النبذ وإلغاء الآخر والسيطرة والهيمنة والإقصاء وأحادية الرأي.

لقد قمنا بتأسيس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي لمعالجة القضايا والأمور الناشئة عن العلاقات الإسلامية المسيحية في المنطقة العربية. والمنطقة المقصودة هي لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ومصر والسودان وبعض دول الخليج حيث تتشكل المجتمعات من جماعات إثنية وثقافية ودينية مختلفة.

في هذا الجو انطلق الحوار الإسلامي المسيحي وقد امتاز القائمون به بالشروط المبدئية للحوار في الصدق والنزاهة ونشدان العدالة والسعي إلى التعرف والتعارف كمقدمة للفهم والتفاهم المتبادل وذلك لبناء التعاون عبر معايير الحقيقة والحرية والعدالة المقبولة دينياً وأخلاقياً لدى كل الشعوب والحضارات.

في سجل إنجازات هذه المجموعة عمل كبير في توسيع دائرة المهتمين بغية ترويج ثقافة الحوار بعد أن أمعنت الحرب اللبنانية في هتكه ووأده وكذلك في بعض الحالات في بعض دول المشرق العربي. ولعل الندوات والمحاضرات التي تناولت المواضيع "الساخنة" في العلاقات الإسلامية المسيحية والتي قام بها الفريق العربي عن التوترات الدينية وحالات العيش المشترك والأصولية والتحديات التي تواجه المسيحيين والمسلمين والإصلاح والديموقراطية والمواطنة والتعددية وسوى ذلك من الموضوعات، ووضع ميثاق إسلامي مسيحي للحياة الواحدة رسم إشكاليات العلاقات الإسلامية المسيحية على مستوى الوطن العربي مؤكداً على جملة أمور توصل إليها واضعو هذا الميثاق نتيجة الأبحاث واللقاءات والمناقشات التي لم تخل أحياناً من الحدة، ومنها:

- أن ّ لدى المسلمين والمسيحيين إيمان ثابت بالعيش الواحد في مجتمع تسوده الحرية والتكافؤ والمساواة في حقوق المواطنة.

- أن ّ المسلمين والمسيحيين مدركون وجوب تحالف أهل الإيمان لأداء الواجب الذي يمليه عليهم اعتقادهم الديني نحو وطنهم العربي وبالإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الشعور بالانتماء إلى وطن واحد يتسّع لأبنائه جميعا على اختلاف ولاءاتهم الدينية ويتجاوز بهم العصبية الطائفية والعرفية.

- أن ّ العمل من أجل توطيد العيش الواحد ضرورة تمليها الهموم والأهداف الوطنية والاجتماعية الواحدة والسياق التاريخي والحضاري الواحد ووحدة المصير.

- أن ّ تعزيز الوحدة الوطنية في وجه التدخلات الخارجية ومشاريع الهيمنة على الوطن العربي همٌ مشترك، يجتمع حوله المسلمون والمسيحيون.

- أن ّ الحوار بين المسلمين والمسيحيين يجب أن يؤسس على معالجة جذور التوترات الدينية والطائفية وأسبابها، والكثير منها يقع في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة التي تسهم في إنتاج مناخ من الاحتقان العام.

- أن ّ المسلمين والمسيحيين يسعون إلى دفع الالتباس بين التدين الصحيح والغلو المذموم الذي يؤدي إلى العنف والتطرف.

الإخوة والأخوات،

لقد سعيت أن أضع بعضاً من النشاطات للسنوات القليلة الماضية والتي قمت بها خلال عملي في الحوار، في كتاب صدر حديثاً عن معهد الدراسات الإسلامية المسيحية في جامعة القديس يوسف. وقد غلب على هذا الكتاب همّ الحوار والتنوع والعلاقات بين الأديان.

واسمحوا لي هنا أن أستعير بعضاً من الإنطباعات والملاحظات القيمة حول هذين الحوار والتنوع، والتي خرجت بها السيدة سلوى السنيورة بعاصيري الأمينة العامة لليونسكو في خلال مناقشة هذه النشاطات.

وبالفعـــــــل،

لطالما تميزت المنطقة العربية ولبنان بالتنوع ولطالما كان الحوار قائماً في معظم محطات تاريخهما السحيق، فحيث يوجد التنوع يصبح الحوار حاجة لإدراك المشترك وتعيين المختلف. والتنوع الأبرز هو التنوع الديني والطائفي، والحوار المنتج هو حوار الحياة وليس حوار العقيدة الدينية. إن الديانات التوحيدية الثلاث التي عاشت آلاف السنين على هذه البقعة من الأرض قد أدخلت كل منها جزءاً من ثقافة الآخر في صلب إيمانها، على قاعدة أن الجوهر واحد. وبهكذا تفسير، فالأديان ليست مسؤولة عن التوتر داخل مجتماعتها وبين تلك المجتمعات وغيرها، بل هي تُزَجّ في أسباب التوتر حيث يستغل الدين في السياسة في ما بات يعرف بالطائفية السياسية.

ليست العلاقات الإسلامية المسيحية في العالم العربي بمنأى عن المواجهات الجارية في العالم اليوم. ومن هنا الحاجة إلى دراسة معمقة حول أثر تنامي التيارات المتطرفة على العلاقات المسيحية الإسلامية، والحاجة إلى اكتشاف خلفية وأبعاد الأصولية الدينية النافذة. والاكتشاف المطلوب لا يتم بواسطة مظاهر الأصولية عبر أخصامها، بل من خلال سماع وجهة نظرها ومناقشتها بهدوء العالم، وإدراك المؤمن، ووعي السياسي. إن ما يحلو للبعض تسميته يقظة أو صحوة دينية إسلامية في سياق منطق تبريري ما هو إلا نزعة أصولية تتوسل الدين لغايات أخرى.

إن المعالجة لا تكون بالكبت والتضييق وخنق الحريات، بل بالحوار والمصالحة واحترام الأديان وبنشر الديموقراطية وسيادة القانون وبإعادة التفكير في أزمة العقل العربي والعقل الإسلامي. فالحاجة تكمن في إرساء العلاقات الإسلامية المسيحية في العالم العربي على قواعد صلبة لدرء الفتن، فيبقى الدين في دائرة الإيمان الشخصي لا مشروعاً سياسياً يطيح بمكتسبات العيش المشترك والشراكة الوطنية.

يقوم الحوار على ما يختلف عليه الناس، وإذ يتأثر الحوار بمجموعة القائمين به فإنه لا شك مؤثر فيهم أيضاً، لما يفترض أن يتوافر فيه من تفكير نقدي ومن فتح للأبواب المغلقة، وكشف لمكنونات الذات والوقوف على حقيقة المشاعر والأفكار والقناعات، تمهيداً لمعرفة الآخر وفهمه وتقبله في اختلافه وخلق دينامية تفاعل معه.

فالحوار ضرورة لتحقيق العيش المشترك ولخلق الهوية الوطنية المتماسكة في إطار يتسم بالتنوع. هو يؤسس لموجبات المواطنة، في ما تعنيه من تقديم للمصلحة العامة على الخاصة، وفي ما تترجمه من مدى وعي الفرد لكونه عضواً فاعلاً وأصيلاً في بلاده، وفي ما تثبته من أحقية وقوفه جنباً إلى جانب مع سائر أبناء وطنه، مساوٍ لهم في الحقوق والواجبات، محرَّراً وإياهم من الاستقطاب الفئوي والطائفي والمذهبي ومما يستتبعه ذلك الاستقطاب من استقواء وغلبة وهيمنة. فالمواطنة لا تأخذ مداها إن لم تكن فعل ممارسة على مستوى العلاقة مع الآخر في شتى الدوائر والحلقات وعلى كافة المستويات في إطار ديموقراطي منفتح.

الإخوة والأخوات،

يفتح الموضوع الذي نحن بصدده اليوم الأفق على تأملات عديدة لا تحصى. لكننا أيضاً بحاجة إلى عمل ميداني لتعزيز ثقافة الحوار في المجتمعات المتنوعة، للإقرار بالآخر وحفظ خصوصيته والمشاركة معه والعيش معاً.

إن لقاءنا اليوم خطوة أساسية لتكريس هذه المفاهيم وتعميمها.

ولذلك دعوني أجدد لكم الشكر وأنوه بجهودكم في إرساء الوعي للتأثيرات الناجمة عن صراع الحضارات وإلقاء الضوء على أهمية التعددية الثقافية في بناء التنمية الإنسانية المستدامة.

سدد الله مساعيكم الحميدة ووفَّقنا جميعاً لما فيه خدمة الحوار الحقّ وبناء ثقافة حوار جاد ومثمر في مجتمع متنوّع.

العيش الإسلامي المسيحي "تجربة جبل لبنان"

لم يكن لمفردة "التعايش" وجودا في جبل لبنان اذ كان الدروز والمسيحيون يعيشون في وئام بعيدا عن المفردات الطائفية والمذهبية وبحث القاضي عباس الحلبي في الصفحات ادناه يؤشر الى تفاهم الطوائف فيما بينها ويؤكد الامر بوقائع من تاريخ جبل لبنان والحكم المعني .

ويشير عضو اللجنة الوطنية الاسلامية المسيحية للحوار في لبنان الى ان الطائفية كانت تستعر بعد اي خلاف محلي سرعان ما يتحول الى نزاع بعد تدخل الاجنبي ويورد وقائع حصلت بدءا من عهد العثمانيين وحتى الانتداب الفرنسي .

ويعرج القاضيي الحلبي على احداث رئيسية وقعت بعد انشاء الكيان اللبناني ويورد نماذج من تاريخ هذاالبلد الحديث ليصل الى نتيجة اساسية وهي: إن تصارع الطوائف اللبنانية وعدم توحيد رؤيتها في مواجهة قضايا مصيرية داخلية وخارجية أدَّيا إلى توفير بيئة صالحة للانفجار الداخلي المدعوم من قوى خارجية استغلت هذه البيئة بغية تصفية حساباتها وتحقيق سياساتها ومصالحها.

ويضيف القاضي الحلبي انه طالما استمر الصراع الداخلي واشتد التدخل الخارجي لن تستطيع أي طائفة مهما بلغ شأنها وقوتها أن تفرض رأيها على سائر الطوائف كما لا تستطيع أي طائفة أن تمنع التدخل الأجنبي.

وفيما يلي نص رؤية القاضي الحلبي لتجربة العيش المشترك الاسلامي المسيحي في جبل لبنان والتي تحدث عنها عام 2005:

لا أبالغ إن قلت أن بذرة العيش الإسلامي المسيحي المشترك قد أينعت ونمت وأزهرت في تراب جبل لبنان. وليس صحيحاً أن الأزمات التي عصفت بالعلاقات الإسلامية المسيحية هي المراحل الأهم في تاريخ هذه العلاقات. فحالات السلام والأمان والتعاون أكبر وأطول مدى في الزمان والمكان مما هي عليه حالات التأزم والتنابذ.

والمفارقة الأهم أنه حتى في تلك العصور القديمة شهدت العلاقات الإسلامية المسيحية ازدهارا وعيشاً مشتركاً هادئا وتعاونا خلاقاً في الكثير من الميادين مع حفظ خصوصيات الآخر غير المسلم في حريته وعبادته وأسلوب عيشه. بينما نرى في أيامنا هذه تحولاً رجعياً في هذه العلاقات ناتجاً عن بعض التفسيرات الظلامية للحرية الدينية وفتاوى بعض الغلاة المتطرفين الرافضين لحق الاختلاف والذين لا يرون الحقيقة إلا في وجهة نظرهم ناكرين على الآخر حق امتلاكها كلياً أو جزئياً.

جبل لبنان هو تلك الوحدة الجغرافية التي ضاقت أو اتسعت بحسب السياسة والمراحل التاريخية التي نتحدث عنها.

ولكننا إذا أردنا التحدث عن تجربة جبل لبنان في العيش الإسلامي المسيحي المشترك نكون قد حددنا سلفاً أي مرحلة نقصد وتالياً أي رقعة جغرافية كان عليها جبل لبنان.

هي تلك المرحلة التي حل فيها المعنيون في الشوف والغرب وامتد سلطانهم أبان حكم الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير مطلع القرن السابع عشر إلى صفد في فلسطين وإلى شمالي سوريا. ولسنا هنا لنتحدث كثيراً عن أهمية تلك الحقبة التاريخية في إرسائها لفكرة لبنان الحديث كدولة عربية مستقلة وذات سيادة. ولكننا ننطلق بالمقابل من تلك المرحلة باعتبارها ركيزة من ركائز قيام لبنان بالمعنى الذي نعيشه اليوم. وذلك أن رؤية رجل الدولة التي كان يتمتع بها الأمير المعني الكبير في بناء دولة يعيش فيها اللبنانيون من كل الطوائف والمذاهب ويتعاونون فيما بينهم لا يفرق بينهم انتماء إلى دين أو مذهب أو عرق بل هم جميعاً متساوون بالحقوق والواجبات، إنما هي رؤية طليعية متقدمة في ذلك الزمن وحتى لا أبالغ إن قلت أيضاً في زماننا هذا باعتبارها أكثر تقدماً من صيغ الحكم في بعض دول العالم ولا سيما في منطقتنا العربية.

والمثال التاريخي الذي أسس لفكرة لبنان الحديث انطلق من تلك الفترة من حكم الأمير المعني الدرزي في إرساء التفاهم بين الدروز والمسيحيين بوجه عام والموارنة بوجه أخص.

وإذا كان الحديث عن تجربة جبل لبنان، فإننا نعني تلك الفترة تحديداً حيث اتسمت سياسة الأمير بالنظرة "العلمانية" تجاه التنوع الطائفي داخل الدولة، بالتعامل مع المواطنين بنظرة متساوية مما سمح للطوائف اللبنانية بالعيش في مناخ من التسامح المتبادل.

ولم يتوقف التعامل الدرزي الماروني عند هذا الحد بل اتسع نطاقه إلى سائر الطوائف المسيحية الملكية الكاثوليكية والأرثوذكس.

وهذه السياسة هي التي شجعت الإقطاعيين الدروز وهم أصحاب الأرض في جبل لبنان على جذب عامة المسيحيين للقدوم إلى مناطقهم والإقامة فيها والعمل، خاصة في الميادين الحرفية والتجارة. كما انعكست هذه السياسة تشجيعاً للمسيحيين للإقامة في هذه المناطق الجبلية، منح العقارات لهم بغية إقامة الأديرة والكنائس عليها تمكيناً لهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية مطلقة. من تلك الأديرة المقامة على أراضٍ موهوبة من الدروز للمسيحيين الدير الماروني في الناعمة جنوب بيروت، ودير المخلص للملكيين الكاثوليك في ساحل الشوف وهذان المثالان يشكلان نموذجاً للتسامح والإقرار بحق الآخر بالاختلاف واحترام خصوصية الآخر المختلف.

لقد عمل الموارنة على تصليب موقعهم السياسي والاقتصادي مستفيدين من هذا الجو المنفتح الذي مكنهم من الانتشار في جميع مناطق الجبل الدرزية حتى أنهم تمكنوا أيضاً من تملك عقارات في هذه المناطق.

لكن سياسة الأمير الدرزي أنتجت قلقاً لدى الدولة العثمانية بسبب سياسته الهادفة إلى توفير استقلال الدولة وسيادتها على أراضيها، كما أقلقت سياسته الاقتصادية وانفتاحه على الغرب وتقربه من المسيحيين الذين أصبحوا شركاء معه في الأرض والاقتصاد، مما وفر جميع الأسباب لمحاربته وللقضاء على دولته الفتية وأسره ونفيه إلى اسطنبول ومن ثم الحكم عليه بالإعدام وتنفيذ هذا الحكم في سنة 1635.

ولنا هنا في سياق العرض التاريخي القول أنه عند وفاة آخر أمير معني لم يكن له عقب 1697م اجتمع وجهاء الدروز وقرروا تسمية أمير من آل شهاب لتولي الإمارة في جبل لبنان. وآل شهاب هم من غير الدروز. وذلك إن دلّ على شيء إنما يدل أيضاً على أن الفكرة الطائفية لم تكن موجودة في جبل لبنان القديم بل إن الإمارة لبنانية عربية منفتحة وعلمانية بمعنى أنها بعيدة كل البعد من أن تكون دينية أو طوائفية أو منغلقة.

كما تشكل هذه الحادثة التاريخية المفصلية دليلاً إضافياً على التسامح وقبول الآخر دون عقد ولا خوف.

إلا أن سوء الأداء السياسي الذي مارسه بعض أمراء آل شهاب ضد الدروز الذين كانوا يشكلون في تلك الحقبة القاعدة الصلبة للحكم، والمسندة على تملك الأراضي والإقطاعات وولاء الناس لهم ولورثتهم من بعدهم، فضلاً عن المصالح السياسية الضيقة التي استغلها بعض الحكام في تفرقة الصف الواحد مما أدى إلى مؤامرات وانقسامات وتصفيات أزالت سلطات بعض العائلات لمصلحة آخرين ثم إضعاف هؤلاء ليسهل السيطرة عليهم في جو من الشحن الطائفي الذي مارسه بنجاح الأمير بشير الشهابي، المسمى خطأ بالكبير، لأن الكبر هو من شيم الكبار وسيرة هذا الأمير الحافلة بالمكائد والمكر والجرائم والخيانة لوطنه في استقدام الأجنبي والإستقواء به على شريكه المواطن الذي عاش معه حقبات طويلة من التاريخ بوئام وسلام.

هذه السياسة هي التي مهدت لاحقاً لضرب فكرة العيش المشترك الدرزي المسيحي في جبل لبنان.

وبالفعـــــــــــــــــــــــــــــــــل

بعض المستشرقين كانوا يرون أنه منذ القرون الوسطى شكلت الشعوب التي استوطنت مناطق جبل لبنان أمة كاملة وليس كما يبدو للبعض ائتلافا لطوائف متفرقة وأحياناً متناحرة.

إلا أن سياسة التساهل تجاه المسيحيين وتمكينهم من تملك عقارات في المناطق الدرزية منذ عهد الأمير فخر الدين، والتي استمرت بعد انقضاء عهده شكلت عاملاً تأسيسياً لخلاف درزي مسيحي على قاعدة اتساع الهوة بين الفريقين اقتصادياً واجتماعياً. كما شكل ذلك عنصراً أساسياً في الخلاف السياسي الذي أصاب الجبل مطلع القرن التاسع عشر بعد أن أدت سياسة الأمير بشير الشهابي إلى وسم تلك الخلافات بطابع طائفي مقيت، توج بأن ضم إلى صفوف القوات المصرية التي أوفدها محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا إلى بلاد الشام العديد من الموارنة بحيث انضم هؤلاء إلى الأجنبي وشاركوه في قمع مواطنهم اللبناني الدرزي الذي واجه الاحتلال والظلم الذي ألحقتهما القوات المصرية الغازية في بلاد الشام عموماً وفي جبل لبنان خصوصاً.

إن هذه السياسة التي انتهجها الأمير الشهابي لم تضرب العيش الدرزي المسيحي المشترك في جبل لبنان فحسب بل قضت أيضا عل فكرة لبنان المستقل والسيد التي حاول الدروز إقامتها منذ القرن السابع عشر ووفقوا إلى حدٍ بها.

وأخطر ما في هذه التجربة أنها وفرت البيئة الخصبة لنزاع طائفي استغلته القوى الأجنبية ووظفته في سبيل مصالحها. فبينما أتاح الدعم الفرنسي لمحمد علي تهديد مصالح الدولة العثمانية المدعومة من الإنكليز شكل هذا النزاع المحلي بعداً إقليمياً ودولياً بدخول قوى أجنبية كبيرة على الساحة السياسية.

منذ تلك الفترة انقضت فكرتان اساسيتان:

الأولى فكرة لبنان الإمارة العلمانية غير الطائفية.

والثانية تحويل لبنان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي كلما توافرت أسباب هذا الصراع.

هذا فضلاً عن التداعيات التي أصابت العلاقات بين الطوائف اللبنانية فيما بينها.

من الممكن التفكير أن الصراعات الطائفية الداخلية بين الطوائف وحدها ربما لا تكفي لإحداث النتائج السلبية التي أشرت إليها أعلاه، إلا أن هذا الصراع يوفر فرصة تدخل القوى الأجنبية عندما تتوفر لهذه القوى المصالح التي تسعى لحمايتها أو لتحقيقها.

إن حماءة هذا الصراع أودت بفكرة استقلال لبنان الذي وضع منذ ذلك التاريخ تحت الوصاية الدولية. فتعيين حاكم مسيحي غير لبناني على جبل لبنان كان إيذاناً ببدء عهد جديد أرسته سياسة خاطئة فرقت اللبنانيين فرقاً متناحرة فنشأت عن ذلك بيئة ملائمة لكل أنواع التدخل الأجنبي. ولسنا هنا في موقع تقييم السياسات الأجنبية التي لها مبرراتها وأهدافها بقدر ما نسعى في هذا السياق إلى إلقاء الضوء على أن ما يمنع التدخل الأجنبي هو الوحدة اللبنانية الداخلية الكفيلة لوحدها بضمان تحقيق استقلال لبنان وسيادته الكاملة.

وهذه القاعدة هي نفسها في التاريخ ولكنها أيضاً قاعدة ثابتة للحفاظ على استقلال وسيادة لبنان حاضراً ومستقبلاً إذ لا استقلال ولا سيادة بدون وحدة وطنية لبنانية جامعة.

لربما الأحداث التي شهدناها مؤخراً تؤكد صحة هذا القول كما أن سياق الأحداث منذ مطلع السبعينات يعيد إلى الأذهان المطبات التي وقع فيها اللبنانيون كما وقعت فيها الطوائف اللبنانية في سياق تسلسل للأحداث يذكر بتسلسل أحداث القرن التاسع عشر.

إن تصارع الطوائف اللبنانية وعدم توحيد رؤيتها في مواجهة قضايا مصيرية داخلية وخارجية أدَّيا إلى توفير بيئة صالحة للانفجار الداخلي المدعوم من قوى خارجية استغلت هذه البيئة بغية تصفية حساباتها وتحقيق سياساتها ومصالحها.

وطالما استمر الصراع الداخلي واشتد التدخل الخارجي لن تستطيع أي طائفة مهما بلغ شأنها وقوتها أن تفرض رأيها على سائر الطوائف كما لا تستطيع أي طائفة أن تمنع التدخل الأجنبي. إن الوحدة الداخلية هي وحدها الكفيلة بتحقيق ذلك. فوقفة 14 آذار التي جمعت اللبنانيين من كل الطوائف حول علم بلادهم وعندما تخلوا كل فيما خصه عن علم حزبه أو طائفته أو زعيمه وأنشدوا جميعهم النشيد الوطني واضعين جانباً أناشيد جميع انتماءاتهم الضيقة طائفية أو حزبية أو شخصية حققوا معجزة استعادة لبنان استقلاله وسيادته وتحريره من أي وجود أجنبي كما حققت سابقاً هذه الوحدة احتضان المقاومة اللبنانية التي حررت الأرض المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي.

ولعل التجارب اللبنانية المتكررة، إن كان في الحقبة التاريخية التي تحدثت عنها أو خلال السنوات القليلة الماضية حتى وقتنا هذا تستوجب منا مراجعة دقيقة لسلوكنا السياسي أفراداً وطوائف ذلك أن المراجعة هي السبيل الوحيد لاستخلاص العبر والاستفادة من دروس وتجارب الماضي للتأسيس لمستقبل واعد دون تكرار الأخطاء والممارسات السابقة التي أودت بنا وبالوطن إلى الأزمات والمحن.

لقد سلكت الطوائف المسيحية لا سيما الكاثوليكية منها هذا السبيل في مناسبتين: الأولى في السينودس من أجل لبنان الذي دعا إليه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان سنة 1994 وما نتج عنه من أعمال توجت بزيارة البابا الراحل إلى لبنان سنة 1997 والإعلان عن الإرشاد الرسولي. والمناسبة الثانية كانت بمناسبة انعقاد المجمع الماروني منذ حوالي السنة والذي من المنتظر أن يصدر توصياته في وقت لاحق.

لعل الطوائف الإسلامية مدعوة إلى اجتماعات مثل هذه لتقييم سلوكياتها خلال فترة الحرب وإجراء المراجعة المطلوبة في الداخل لتقويم السياسات والأداء. وإذا كان ذلك مطلوباً بعد انقضاء فترة الحرب الأخيرة أو ما اصطلح على تسميته المحنة الوطنية الكبرى بين سنتي 1975 و1990 وانتهاء هذه الفترة باتفاق الطائف، وهو الوثيقة الوطنية الأساسية للوفاق الوطني اللبناني، فإن إجراء هذه المراجعة أصبحت داهمة خاصة بعد انقضاء خمس عشرة سنة على هذه الوثيقة لمعرفة لماذا لم تتحقق المصالحة الوطنية وما هي الأسباب التي حالت دون تصليب السلم الأهلي الداخلي وضمان استقلال لبنان وسيادته وفق مندرجات هذه الوثيقة.

ولعل ما تحقق في انسحاب الجيش السوري من لبنان وتخفيف وطأة إدارة أمور الدولة اللبنانية من خارج الحدود ومحاولة تفشيل فكرة الدولة اللبنانية الواحدة الأقوى من الطوائف والزعماء والسياسات لمصلحة تكريس إقطاعات طائفية جديدة على حساب فكرة الدولة ولمحاولة تغليب فئة على فئة وطائفة على طائفة، وعند الفشل إضعاف الطائفة من الداخل بإحداث الانقسامات وما أكثر أسبابها ومبرراتها، مما يجعل من فكرة وضع قاعدة سلوكية تتحكم بسياسات اللبنانيين طوائف وأفراد بات أمراً ملحاً أول بنودها عدم الإستقواء بالأجنبي على الشريك الوطني كما حدث في تجربة جبل لبنان التي أشرت إليها وعدم قبول الثنائية ولا الثلاثية بين الطوائف بل أن جميع الطوائف اللبنانية متساوية في الحقوق والواجبات وان لا غلبة لطائفة على طائفة أو لفئة على فئة وأخيراً لا آخراً أن ضمان الاستقلال والسيادة هو الوحدة الوطنية الداخلية التي في سبيلها يرخص كل شيء حتى ولو جاء ذلك أحياناً على حساب النظام الديموقراطي وخصوصيته اللبنانية.

ومن المفيد في هذا السياق التأكيد على أمرين:

ضرورة وعي اللبنانيين لمساوئ التطبيقات العشوائية التي تكرس حقوقاً للطوائف حتى على حساب قوة الدولة.

والثاني هو وعي اللبنانيين لأهمية إقامة مشروع الدولة على أسس سليمة وليس فاسدة كتلك المحاولة التي أعقبت إقرار وثيقة الوفاق الوطني وأدت إلى تفشيل مشروع الدولة لمصلحة مشاريع الطوائف والزعماء.

الإمام المرحوم محمد مهدي شمس الدين كان يقول بضرورة إحداث توازن في المجتمع المتعدد حتى لا تضرب الفوضى أو الاستبداد. والعلاقة الجدلية القائمة بين الدولة والطوائف يجب أن تحقق هذا التوازن بحيث لا تقوى الدولة على الطوائف فيسيطر الاستبداد ولا تقوى الطوائف على الدولة فتحدث الفوضى. وإننا نشير ربما في هذا السياق إلى ضرورة تحرير الطوائف من سلطة زعمائها الذين يختصرون مصالح طوائفهم بتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة.

إن لبنان كما يتبين من هذا العرض الموجز قد عاش فترات من التشكيك في صيغته المتنوعة. وقد أثبتت التجربة على مدار هذه السنوات أن هذه الصيغة التي يخيل أحياناً لمتتبع تاريخها وحاضرها أنها هشة وأن لبنان على شفير الانفجار هي مقولة غير واقعية وغير مثبتة في التاريخ. فلبنان أصلب مما يعتقد الكثيرون وأضعف أحياناً مما يتصور المتوهمون. وهذا قدر الصيغ المتنوعة التي غالباً ما تثير الحساسيات. والمهم أن تبقى هذه الحساسيات ضمن إطار الرغبة الأكيدة في العيش معاًُ. وهذا ما أثبته اللبنانيون في توصلهم إلى اتفاق الطائف الذي أنهى حالة الحرب وأرسى قواعد السلم الأهلي وحدد أطر إعادة تأسيس الدولة على قواعد صلبة تأخذ في الاعتبار هواجس ومخاوف الطوائف اللبنانية كافة.

لقد حدث في الفترة الأخيرة أمران بالغا الدلالة:

- الأول إجبار إسرائيل وهي القوة الأعتى في هذا الشرق على الانسحاب من لبنان دون قيد أو شرط أو اتفاق سلام.

- الثاني تحقيق المصالحة في جبل لبنان بمناسبة زيارة غبطة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير إلى الجبل وزيارته إلى المختارة حيث أكد والزعيم وليد جنبلاط أن صفحة الأحداث المأسوية بين الدروز والمسيحيين سنة 1860 وفي حرب الجبل 1983 – 1985 قد طويت.

وإن كنت أضع هذين الحدثين في نفس المستوى من الأهمية للدلالة على أن الصيغة اللبنانية التي أحياناً تبدو مهتزة فإنها تنتج أحداثاً تاريخية مفصلية تعجز عنها دول أكبر وأقوى.

أختم بالقول أن على اللبنانيين أن يستفيدوا من دروس الماضي وأن يتوحدوا للحفاظ على صيغة عيشهم الفريدة في لبنان لكي يبقى ممكناً تقديم هذا البلد كنموذج حضاري للعالم ومثالاً للمجتمعات متنوعة الثقافات والمعتقدات.

الدور المنتظر
رأي في غبطة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير


أطلق القاضي عباس الحلبي عضو اللجنة الوطنية الاسلامية المسيحية للحوار لقب "شيخ عقل اللبنانيين "على البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير لحكمته وتعقله في الدور الذي لعبه في لبنان وطنيا ومسيحيا .

وقال القاضي الحلبي في البطريرك صفيرانه أول من أطلق الموقف اللبناني المطالب بالسيادة والحرية والاستقلال والقرار الحر طيلة عقد من الزمن وقد لاقاه المسلمون بهذا المطلب حتى ولو متأخرين.

ولفت إن خوض البطريرك غمار السياسة كان سداً لفراغ أو واجباً تاريخياً فرضته عباءة البطريركية وأن كرسي بكركي محط ثقة كل المسيحيين وسائر اللبنانيين ما مكنه من أداء دوره الطليعي في حفظ صيغة العيش المشترك في لبنان التي لم تغب يوماً عن خطابه .

وأضاف الحلبي:إن البطريرك مدعو أيضاً لتشجيع المسيحيين استعادة دورهم الرائد بعد الاتعاظ بتجاربهم السابقة وهو لا ينفك يدعوهم إلى ذلك في تقديم خطاب جديد متجدد يستأنس بما ورد في الإرشاد الرسولي تجاه العرب والمسلمين.

وفيما يلي نص الكلمة التي القاها القاضي عباس الحلبي خلال لقاء نظمته جامعة سيدة اللويزة في بكركي بمناسبة الذكرى العشرين لانتخاب صفير بطريركا على سائر انطاكية وسائر المشرق :



صاحب الغبطة المكرم،

أصحاب المعالي والسيادة والسعادة،

حضرة الأب الجليل وليد موسى رئيس جامعة سيدة اللويزة،

الإخوة والأخوات،



أشكر جامعة سيدة اللويزة ومؤسسة البطريرك صفير دعوتهما لي ومنحي امتياز الحديث عن رجل كبير من بلادي هو غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. فتحية لكم جميعاً وتحية للمكرم بمناسبة ذكرى مرور 20 سنة على توليه كرسي بكركي.

عشرون سنة على انتخاب البطريرك أي منذ العام 1986. فلنتطلع قليلاً إلى الوراء. سنة تبوء سيد بكركي مجد لبنان الذي أعطي له في العام 1986 أي أنه كان انقضى على بدء الحرب اللبنانية إحدى عشر عاماً ولا تزال مستمرة وقد تبدل اللاعبون في ساحة المعركة من ماروني ضد فلسطيني إلى مسيحي ضد سائر اللبنانيين، فالدخول السوري الذي واكبه دخول أكبر للفلسطينيين في الاحتراب وكذلك دخول العراقي والليبي ثم الاجتياح الإسرائيلي الكبير الذي احتل أول عاصمة عربية ثم مآسي حرب الجبل بين الدروز والمسيحيين ثم الدروز ضد السنة والشيعة ضد الدروز والجميع ضد الجميع. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم ماذا تغير في الوطن الصغير وماذا تغير في الرجل الذي عاش وعايش ورافق ولا يزال هذه الأحداث الكبرى التي جرّبت فيها كل أنواع الأسلحة إن لم يكن هو بمواجهتها أبداً متسلحاً بسلاح الموقف. يصعب على المرء أن يقارب هذه الحقبة بما فيها من ملامح السوء أحياناً وأنوار الأمل أحياناً أخرى دون أن يذكر غبطة البطريرك في مواقفه شبه اليومية عبر إطلالاته الإعلامية والشخصية أو عبر بيانات المطارنة الموارنة أو في عظاته أو في رسائله المتكررة أو بأعمال السينودس من أجل لبنان وأخيراً بالسينودس الماروني الذي عقد أخيراً. حأح

وبالفعــــــــــــــــــل

خرج المسيحيون والموارنة على وجه خاص ولكن أسوة بسائر اللبنانيين منهكين من تجارب الحرب والفتنة كما وجدوا أنفسهم في بيئة اتصفت بالتغيير وبتبدل تعاطي السياسات الدولية معها. فالولايات المتحدة لا تعارض الهيمنة السورية وأن المسألة اللبنانية مرتبطة بمؤتمر السلام والخوف أن يشكل لبنان جائزة ترضية. فبالإضافة إلى الجرح النازف في فلسطين، تحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية ورأينا هذا البلد الصغير نقطة الصراع بين هذه القوى الإقليمية كما رأينا اللبنانيين يلعبون لعبة الخارج ضد الشريك الوطني. في هذا الخضم من الأحداث المأسوية غاب الزعماء المسيحيون التاريخيون الذين عن قصد أو غير قصد قادوا المسيحيين إلى هذه الحالة.

إلا أن هذا البطريرك ظل بمواجهة هذه الظروف والأحداث مأخوذاً بفكرة لبنان ومعناه، مطبوعاً بمسألة العيش المشترك، فما هو خير للبنان هو خير للمسيحيين وليس العكس، مسكوناً بهاجس الوحدة الوطنية، مشغولاً أبداً بتقريب الآراء وجمع الجهود لكي يبقى لبنان كما أراده أسلافه، للموارنة فيه مركزهم دون إنكار حق الآخرين في أدوارهم، فلم يشعر القواعد الشعبية الإسلامية أن نضاله لا يشملها وهو بذلك يؤدي دوره في الدفاع عن الكيان اللبناني ومقوماته.

السيادة والحرية والاستقلال والقرار الحر والعيش المشترك تلك هي الأقانيم التي طغت على مواقف غبطة البطريرك. وهي القاعدة الثابتة التي ما انفك يطالب بها ويعمل لتحقيقها داخلياً وفي المحافل الدولية. لطالما تساءلت عن معنى هذا الإصرار على تحقيق السيادة والاستقلال والقرار الحر والعيش المشترك. إلى وقت كان بعض الزعماء السياسيين يتسابقون في إخراج لبنان من معناه وبيع المواقف للخارج حتى على حساب السيادة والاستقلال والقرار الحر. حتى أن هذه المطالبة لم تكن موضع إجماع في الساحة السياسية المسيحية لأن الارتباط بالخارج ليس وقفاً على طائفة دون أخرى، فبدا البطريرك من خلال مواقفه حارس الكيان الأخير على ما يصفه الصحافي الكبير طلال سلمان.

إذا كان هذا سلوك البطريرك خلال الحقبة السابقة فأي دور ينتظره اللبنانيون في المرحلة المقبلة.

وبالفعــــــــــــــــــــل

إن تراجع "القوة المسيحية" في المشهد اللبناني وانسحاب هذا الضعف على الوجود المسيحي في المشرق يحتمان على المسيحيين إعادة النظر بالممارسات السابقة وضرورة التركيز على سلسلة من المواقف والإجراءات التي تستدعي وقف الضرر أولاً بغية التأسيس لمرحلة جديدة تعطي الأمل ليس فقط للمسيحيين بل أيضاً لسائر اللبنانيين والعرب ذلك أن أي خطأ في الحسابات السياسية لدى الفريق المسيحي في لبنان ينعكس سلباً على أوضاع المسيحيين في المشرق العربي.

ولعل البطريرك صفير هو أول من أطلق الموقف اللبناني المطالب بالسيادة والحرية والاستقلال والقرار الحر طيلة عقد من الزمن وقد لاقاه المسلمون اليوم بهذا المطلب حتى ولو متأخرين مما سهل رحيل القوات السورية من لبنان لأن هذه المطالبة مهما اكتسبت من أهمية فإن اقتصارها على الفريق المسيحي يبقيها قاصرة على تحقيق غايتها لولا تجاوب المسلمين والقسم الأكبر منهم حتى استحال هذا المطلب مطلباً وطنياً ضاغطاً لقي صداه لدى القوى الفاعلة في العالم وأدى إلى ما أدى عليه في لبنان من تحرير ترابه الوطني أسوة بموقف اللبنانيين الجامع ضد الاحتلال الإسرائيلي واحتضان المقاومة مما عجّل في تحقيق التحرير من العدو الإسرائيلي.

ولعله مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى ضرورة مساعدة بعض المسيحيين للخروج نهائياً من عقد الانعزالية والأقلية والتهميش وحتى الحنين إلى أمجاد غابرة والتعامل مع الواقع الجديد بالكثير من المرونة والواقعية. وهو محط ثقة كل المسيحيين وسائر اللبنانيين في أداء دوره الطليعي في حفظ صيغة العيش المشترك التي لم تغب يوماً عن خطابه مشروطة بالحرية طبعاً.

والبطريرك مدعو أيضاً لتشجيع المسيحيين استعادة دورهم الرائد بعد الاتعاظ بتجاربهم السابقة وهو لا ينفك يدعوهم إلى ذلك في تقديم خطاب جديد متجدد يستأنس بما ورد في الإرشاد الرسولي تجاه العرب والمسلمين ومساعدة هؤلاء على اجتياز المرحلة الصعبة التي يمرون فيها وقد وضعتهم في أزمة مع كل الحضارات والثقافات وبإزاء الجميع متقابلين وأحياناً متخاصمين ومتقاتلين. إن المسيحيين مدعوون للسعي دون كبرياء لمصالحة المسلمين مع الحداثة وتقديم نموذج في العمل السياسي والحيوية الثقافية والفكرية للمسلمين فيحافظون على تنوعهم وعدم السماح بالوقوع بمساوئ الأحادية كما وقع سواهم من الطوائف اللبنانية. إن سعينا يجب أن يتوجه إلى درء مفاسد الأحادية السياسية والفكرية والثقافية التي ربما تحافظ على حقوق الطوائف في فترة من الفترات إلا أنها أيضاً تجلب الضرر لنفسها وسواها من الطوائف وقد شاهدنا هذا الاختناق في العديد من الطوائف التي توسلت هذه الأحادية.

إننا نواجه الأمراض والتحديات نفسها وفي مقدمتها التطرف والغلو، حالة الغليان في المنطقة، تصادم الحضارات، المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وغياب الحرية وسوء الأنظمة والتسلط والقمع بما يغيب الديموقراطية والعدالة والاطمئنان. شعر المسلمون أو غالبيتهم طيلة فترة طويلة من الزمن أنهم أكثر التصاقاً بالعروبة على حساب لبنانيتهم وتمسكهم بقضايا أمتهم وعلاقتهم الخاصة بسوريا ومناصرتهم للقضية الفلسطينية حتى ولو كان هذا على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية ولمرة في تاريخهم تخلوا عن هذا الشعور واستعادوا تمسكهم بهويتهم الوطنية اللبنانية وقدموها حتى على القضايا العربية. وعوض أن يهلل المسيحيون لهذا التبدل الجذري في الموقف الإسلامي ويلاقوه بالحماسة لكي تبنى الشراكة الوطنية اللبنانية على قواعد صلبة نرى قسماً من المسيحيين متردداً في هذا التلاقي مشغولاً باستعادة مجد غابر لن يستعاد مسكوناً بشعور تحيّن الفرصة للانقضاض على صيغة الحكم التي قبلها البطريرك في وثيقة الوفاق الوطني شرط أن يصار إلى تطبيقها بنزاهة وعدالة وفق روحها ونصِّها مقدمين بعض المصالح الشخصية على مصلحة المسيحيين العامة التي لا وجود لها خارج سياق صيغة العيش المشترك وبالرغم من أن هذا التحول قام على دم الشهداء.

إنني أتفهم هواجس بعض المسيحيين ورغبتهم في مزيد من استعادة الدور السيادي والقيادي في لبنان. إلا أنني وبكل صراحة وأمل أن يتسع صدر سامعيَّ لكلامي، لا أستطيع أن أفهم هذا السعي المتعمد لتفويت فرصة تاريخية تكاد تكون الوحيدة في لبنان منذ قرون للتأسيس لهوية وطنية جامعة وتقديم المصلحة اللبنانية على ما عداها تحقيقاً لمشاريع شخصية وطموحات غير منطقية.

إنني أتفهم بعض التخلي للفريق المسيحي لديناميتهم في الحياة السياسية وربما كان مرد ذلك إلى تعبهم أو تراجعهم بسبب الحروب التي شنوها ضد الآخر أو بسبب الحروب الكثيرة التي شنّت عليهم ولكن أيضاً بسبب انقسامهم وتشتتهم وضياع بوصلة بعض قياداتهم وتقديم المصالح الفئوية على الخير العام. تابعوا معي مشهد الاحتكاكات اليومية في الجامعات والفرقة السائدة في صفوف الشباب على شعارات لا تقدم ولا تؤخر وضياع التوجه الواعي لمصلحة الجماعة في وجودها وحريتها وحفظ دورها.

وها أنني من موقعي أرجو هذه الفئات التخلي عن هذه السياسات التي لا يمكن وصفها إلا بالانتحارية. فنحن حريصون على الوجود المسيحي الحر لأنه هو الذي يعطي لبنان معناه الخاص وهذا المشرق تنوعه الحضاري.

إنني من موقعي الدرزي وذلك نتيجة حياة طويلة مشتركة أؤمن أن للمسيحيين دوراً مهماً في بعث لبنان كصيغة حضارية وكرسالة للإنسان وتمكينه من أن يشكل عاملاً محركاً في المنطقة العربية. إن تاريخنا تأسس على صداقة دائمة، وتفاهم أحياناً صعب إنما أيضاً على قاعدة الاستحالة في التباعد. إن فترات التوافق بيننا أهم بكثير من فترات الاختلاف والتباعد والدروز بغض النظر عن المواقف السياسية ينتظرون من المسيحيين وبطريركهم استعادة الحياة المشتركة في الجبل وتعزيز فكرة التعارف والتقارب مع الآخر المختلف.

إنني أشعر أحياناً كثيرة مع معاناة البطريرك في أن الجماعة المسيحية تظهر أحياناً كثيرة عدم استفادتها من تجارب التاريخ والماضي وهذا ليس وقفاً عليهم كما أشعر معاناته في التفرقة والنبذ ومحاولات الإلغاء في الصف المسيحي وتفرقهم عند كل منعطف لا سيما تلك الرئاسة الأولى التي كثيراً ما ضاعت الحقوق بسببها: قاتل الله هذه الرئاسة وأذية المسترئسين. حتى لتكاد هذه الرئاسة تسقط دون أن تجد من يمنع هذا السقوط حتى في الصف المسيحي إلا إذا صبت باتجاه مصلحته الشخصية. ولعلها المرة الأولى في تاريخ لبنان تبلغ فيه هذه الرئاسة هذا المبلغ من الضعف والوهن، واللبنانيون بدأوا يعتادون العيش بدونها وبدون من يتولاها، وبعض المسيحيين الذين يقع عليهم وباستطاعتهم استدراك الضرر لا يبادرون بحجة عدم ضمان توجهها نحواً معيناً. كما أعرف قلقه تجاه النزوح القسري للشباب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً من هنا دعوته إلى تشجيع هؤلاء على البحث عن مستقبلهم في لبنان وليس في أميركا وأستراليا. ليس المطلوب أيها الإخوان نسيان الماضي بقدر ما أن المطلوب هو الخروج من حالة الجمود النفسي للتطلع إلى الواقع وجهاً لوجه.

قيل أن من قواعد الإصلاح في لبنان إبعاد رجال الدين عن السياسة والعكس صحيح، ولكننا نرى أن خوض البطريرك غمار السياسة كان سداً لفراغ أو واجباً تاريخياً فرضته عباءة البطريركية وكرسي بكركي. إنني أزعم أن غبطته لم يشذ عن المسار التاريخي لأسلافه في التعبير عن المواقف الوطنية التي تدافع عن لبنان في هذا الشرق الذي ما انفك يغلي بالتناقضات والأحداث الدامية منذ قرون. لكن هذا البطريرك تحديداً كان مدعواً إلى دور أكبر من دور أسلافه في تمثيل الزعامة السياسية للمسيحيين بالإضافة إلى الزعامة الروحية.

البطريرك صفير هو من قامة الرجالات الكبار الذين أنعم الله بهم على لبنان في وقت عز فيه رجال الدولة. لا أحابي إن قلت ذلك من موقعي فالمصالحة التي أجراها في الجبل مع الدروز ومع الزعيم الوطني الكبير وليد جنبلاط أنهت حقبة سوداء في تاريخ العلاقة الدرزية المارونية وفتحت آفاق المصالحة الوطنية التي تجمع الجميع، جميع اللبنانيين إلى أية طائفة ومنطقة انتموا. هي كانت الدعامة واللبنة الأولى في هذا البنيان الواعد. وقد انضم إليها لاحقاً بعض الطوائف فأسست لحالة وطنية جامعة هي الأمل في مستقبل لبنان.

لكننا نخشى على وحدتنا في هذه الأيام، لأن القامات المفروض فيها أن تكرس هذه الوحدة متلهية بمصالحها الآنية. من هنا دعوتنا إلى البطريرك ألا يتخلى عن دوره في ضبط إيقاع العمل الوطني لأن الحاجة ماسة إلى دوره الجامع وإلى فكره النيّر ولبنان يدعوه إلى بذل المزيد، كما أتفهم تردده أحياناً في تسمية مرشح للرئاسة بما ينطوي ذلك من مخاطرة عدم التجاوب معه كما حصل في السابق والوقوع في فخ السياسيين، إلا أنه لن يتأخر وفي كلا الموقفين حكمة عارمة. وهو كما عودنا لن يتأخر، واسمحوا لي أخيراً أن أتوجه بالتهنئة لصاحب الغبطة على مرور 20 سنة على تبوئه سدة بكركي، فإلى سنين عديدة يا سيد إن شاء الله.

اسمحوا لي أن أتوجه بالتحية إلى غبطة البطريرك الذي يشكل عقل اللبنانيين، وليس كثيراً علينا إذا أطلقنا عليه في هذا الجو المفعم باللاعقلانية بما يظهره هو من تعقل وحكمة لقب شيخ عقل اللبنانيين.





.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته